ذكَرَ اللهُ نشأةَ عيسى ببيانِ نشأةِ أُمِّهِ، بيانًا لِبُطْلانِ ما يَعْتَقِدُهُ النصارى فيه مِن أنَّه ابنٌ للهِ، تعالى اللهُ عن ذلك، وأسلوبُ القرآنِ عندَ ردِّ وإبطالِ عقيدةٍ: أن يُبَيِّنَ أصْلَها فيَنقُضَه لِتَنتقِضَ هي تَبَعًا؛ فالجدالُ في فروعٍ أُصولُها خاطئةٌ لا يُوصلُ إلى حقٍّ، فيزعُمونَ أنَّ عيسى ابنٌ للهِ، تعالى اللهُ، وعيسى له أمٌّ، وأُمُّه مريمُ، ومريمُ لها أمٌّ وأبٌ، ولهما أمَّهاتٌ وآباءٌ إلى آدمَ، فمِن أين أتَتْ بُنُوَّتُهُ للهِ؟ ! ولذا ذكَرَ اللهُ الزوجيَّةَ بينَ امرأةِ عِمرانَ وعمرانَ، فقال: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾؛ إشارةً إلى الأبوَّةِ والأمومةِ لمريمَ، وذكَرَ الله اسمَ مريمَ، ولم يذكُرِ اسمَ أمِّها في القرآنِ؛ لأنَّ نَسَبَ عيسى يَرجِعُ إلى مريمَ ثمَّ أبيها، لا يَرجِعُ إلى أمِّها، والناسُ تُنسَبُ إلى آبائِهم، واسمُ أمِّ مريمَ: حَنَّةُ؛ على قولِ عِكرِمةَ وقتادةَ؛ فعيسى هو ابنُ مريمَ بنتِ عمرانَ، ولا يقالُ: عيسى ابنُ مريمَ بنتِ حَنَّةَ، وإنَّما ذُكِرتْ مريمُ؛ لأنَّ عيسى نُسِبَ إليها لعدمِ الأبِ، ولمَّا كان لمريمَ أبٌ، تُركَتِ الأمُّ حَنَّةُ، ودُكِرَ الأبُ عِمْرانُ، ولمَّا كانت أمُّ مريمَ لا أثَرَ لها في نسبِ عيسى، قال: ﴿امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾، وفي الآيةِ أنَّ مَن لا يُعرَفُ أبوهُ، لا حَرَجَ أن يُنسَبَ إلى أمِّه.