للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رَوى البيهقيُّ؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ، في قصَّةِ فتحِ خَيْبَرَ: "فَصَالَحُوهُ عَلَى أَنْ يُجْلَوْا مِنْهَا، وَلَهُمْ مَا حَمَلَتْ رِكَابُهُمْ، وَلرَسُولِ اللهِ الصَّفْرَاءُ وَالْبَيْضَاءُ، وَيَخْرُجُونَ مِنْهَا، وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَلَّا يَكْتُمُوا وَلَا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإِنْ فَعَلُوا، فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مَالٌ وَحُلِيٌّ لِحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ كَانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إِلَى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ لِعَمِّ حُيَيٍّ: (مَا فَعَلَ مَسْكُ حُيَيٍّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ؟ )، فَقَالَ: أَذْهَبَتْهُ النَّفَقَاتُ وَالْحُرُوبُ، فقال: "الْعَهْدُ قَرِيبٌ، وَالمَالُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ"، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللهِ إِلَى الزُّبَيْر، فَمَسَّهُ بِعَذَابٍ، وَقَدْ كَانَ حُيَيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ خَرِبَةً، فَقَالَ: (قَدْ رَأَيْتُ حُيَيًّا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَاهُنَا)، فَذَهَبُوا وَطَافُوا، فَوَجَدُوا المَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ" (١).

وأصلُهُ عندَ أبي داودَ (٢)، وليس فيه: "مَسَّهُ بعذابٍ"، وعزَاهُ بعضُهم إلى البخاريّ، وليس كذلك؛ وإنَّما الذي فيه طَرَفُهُ.

وفي هذا الحديثِ أنه وقعَتِ القرينةُ، وغلبَ الظنُّ على الكتمان، والمالُ كثيرٌ لا قليلٌ؛ تَقْوى به شوكةُ المُسلِمينَ، وسَلْبُهُ يَكسِرُ شَوْكةَ عدوِّهم، وقد ذكَرَ بعضُ أهلِ السِّيَرِ كالواقديِّ أنَّ كَنْزَ آلِ أبي الحُقَيْقِ عظيمٌ، فقد كان الحُلِيُّ في أوَّلِ الأمرِ في مَسْكِ حَمَلٍ، فلمَّا كَثُرَ جعَلُوهُ في مَسْكِ ثَوْرٍ، ثم في مَسْكِ جمَلٍ، وكان ذلك الحُلِيُّ يكونُ عندَ الأكابرِ مِن آلِ أبي الحُقَيْق، وكانوا يُعِيرونَهُ العرَبَ (٣).

ولمَّا انتَفَتْ قرينةُ نَفادِهِ وإهلاكِه، غلَبَ على الظنِّ كِتمانُهُمْ له، فمَسَّهم الزُّبَيْرُ بشيءٍ مِن العذابِ.


(١) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ١٣٧).
(٢) أخرجه أبو داود (٣٠٠٦).
(٣) "مغازي الواقدي" (٢/ ٦٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>