للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد حكى غيرُ واحدٍ مِن الأئمَّةِ الإجماعَ على وقوعِ طلاقِ الهازلِ؛ لأجْلِ ذلك؛ فإنَّ الهزلَ لا يزيدُ الإنسانَ إلَّا إثمًا مع عدمِ جَدْواهُ وأثَرِهِ في طلاقِهِ، ولِمَا جاءَ عندَ أبي داودَ والتِّرْمِذيِّ وغيرِهِما، عن عطاءٍ، عن يوسفَ بنِ ماهَكَ، عن أبي هريرَةَ ؛ قال: قالَ رسولُ اللهِ : (ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ، وَهَزلُهُنَّ جِدٌّ: النِّكَاحُ، وَالطَّلَاقُ، وَالرَّجْعَةُ) (١).

ورواهُ عبدُ الرَّزَّاقِ، عنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ؛ قالَ: "يُقالُ: مَنْ نَكَحَ لاعِبًا، أو طلَّقَ لاعبًا، فقد جازَ" (٢).

وهو أَشْبَهُ.

ورُوِيَ هذا الحديثُ مِن طرقٍ لا تخلُو مِن عِلَّةٍ.

وذكرَ ابنُ عبدِ البرِّ وغيرُهُ أنَّ العلماءَ لا يَختلِفونَ في أنَّ طلاقَ الرجلِ ونِكاحَهُ هازلًا يَقَعُ (٣).

وقولُه: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾:

لا يسخَرُ مِن آياتِ اللهِ وأحكامِه إلَّا مَن نَسِيَ نعمةَ اللهِ عليه؛ فذِكْرُ النِّعَمِ يُوجِبُ تعظيمَ المُنعِمِ، فذَكَّرَ اللهُ الإنسانَ بنِعمتِه، وأمَرَهُ باستحضارِها في قلبِه؛ ليستحضِرَ هَيْبةَ المُنعِمِ وعظمتَهُ ومِنَّتَهُ على عبدِه.

وأعظَمُ النِّعَمِ نعمةُ الأسلامِ والوَحْيِ كتابًا وسُنَّةً، والكتابُ إذا ذُكِرَ فيدخُلُ فيه السُّنَّةُ مع القرآنِ، وإذا ذُكِرَ الَكتابُ ومعه الحِكْمةُ، فالكتابُ القرآنُ، والحِكْمةُ السُّنَّةُ.


(١) أخرجه أبو داود (٢١٩٤) (٢/ ٢٥٩)، والترمذي (١١٨٤) (٣/ ٤٨٢)، وابن ماجه (٢٠٣٩) (١/ ٦٥٨).
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٠٢٤٣) (٦/ ١٣٣).
(٣) "الاستذكار" (١٦/ ٣٧٦)، و"معالم السنن" (٣/ ٢٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>