للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يُروى عندَ التِّرمذيّ، مِن حديثِ أنسٍ (١)، وعندَ ابنِ ماجهْ (٢)؛ مِن حديثِ أبي سعيدٍ مرفوعًا: (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا).

ومِن العلماءِ: مَن جعَلَ المَسْكَنةَ أشَدَّ مِن الفقرِ؛ لقولِهِ تعالى: ﴿أَو مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [البلد: ١٦]؛ وفيه نظرٌ؛ لأنَّ اللهَ ذكَرَ المَسْكَنةَ، وهو وصفٌ عامٌّ، وزادَ عليه وصفًا آخرَ، وهو قولُهُ: ﴿ذَا مَتْرَبَةٍ﴾؛ لبَيانِ شِدَّةِ ذلك؛ فدَلَّ على أنَّ وصفَ المَسْكَنةِ وحدَهُ، ليس كافيًا لبيانِ شدَّةِ الحاجة، وغلَبَتِهِ على وصفِ الفقرِ.

والفرقُ بين الفقيرِ والمِسْكِينِ مختلَفٌ فيه؛ لاختلافِ حدِّ كلِّ واحدٍ منهما في نفسِه، والأظهَرُ: أنَّ الفقيرَ الذي لا يَستطيعُ العيشَ بلا معونةِ الناس، وأمَّا المسكينُ فهو: مَن يستطيعُ العيشَ ولكن مع ضرَرٍ في حالِهِ وسُوءٍ في عَيْشِه، والمسكينُ مَن يَجِدُ عمَلًا وحاجةً تسُدُّ بعضَ عيْشِه، ولكنَّها لا تَكْفِيه؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ [الكهف: ٧٩].

وفي "الصحيحَينْ"؛ قال : (لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَان، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَان، وَلَكِنِ المِسْكِينُ الَّذِي لَا يَجِدُ غِنًى بُغْنِيه، وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْه، وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلَ النَّاسَ) (٣).

ومَن نظَرَ في النصوص، تحقَّقَ لدَيْهِ أنَّ الفقيرَ أسوَأُ حالًا مِن المسكين، وأنَّ الفقرَ والمَسْكَنةَ مُصطلَحانِ يتداخَلانِ في كثيرٍ مِن المعنى، وإنْ لم يتَطابَقَا؛ ولهذا قد يدخُلُ أحدُهما في الآخَرِ وينوبُ عنه، وقد يَفترِقانِ وقد يَجتمِعان، وقد ذهَبَ جماعةٌ مِن الفقهاءِ إلى المساواةِ بينَهما؛ كأبي يوسُفَ وابنِ القاسمِ وجماعةٍ مِن أصحابِ الشافعيِّ.


(١) أخرجه الترمذي (٢٣٥٢).
(٢) أخرجه ابن ماجه (٤١٢٦).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٧٩)، ومسلم (١٠٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>