الاستمرارِ بالإفسادِ: أنه يُعفَى عنه؛ دفعًا لشرٍّ أعظَمَ مُتحقِّقٍ؛ وهذا مِن الفقه، فيُرجَعُ في ذلك إلى تحقُّقِ استمرارِ إفسادِهِ ومدى عجزِ الحاكمِ عنه: ومال إليه ابنُ جريرٍ (١).
ويَنُصُّ مالكٌ والشافعيُّ على أنَّ ما أصابتْ يدُه مِن مالٍ أو دمٍ، وطالَبَ به مُدَّعٍ بعينِهِ وقامَتِ البيِّنةُ عليه، فإنَّ المالَ يعودُ لأهلِه؛ والدمَ يُقادُ به، ويسقُطُ عنه حدُّ الحِرابةِ المتعلِّقُ بالحاكمِ.
ومَن حارَبَ وأخافَ وقطَعَ السبيلَ، ثم تابَ واستتَرَ ولم يُعلَمْ أمرُهُ إلَّا بعدَ زمنٍ من صلاحِهِ بشهادةِ أحدٍ عليه، فإنَّه يُترَكُ إلَّا مِن الحقوقِ الخاصَّةِ؛ لدخولِهِ في التوبةِ قبلَ القُدْرة، ولكونِ المفسدةِ مِن قَبُولِ توبتِهِ منتفيةً؛ لاستتارِهِ وخفاءِ أمرِهِ وانتهاءِ زمنِها، وربَّما يكونُ في إقامةِ الحدِّ عليه بعدَ طولِ زمنِ صلاحِهِ إفسادٌ له، وقدحٌ في عدالتِهِ التي استقَرَّ عليها أمرُه.
في هذه الآية: الإشارةُ إلى ديمومة شِرْعَةِ الجهاد، وأنَّ دَوَامَها كدوام التقوى وابتغاءِ الوسيلةِ إلى الله، وإنَّما تَختِلفُ جهتُهُ وأرضُه، ولا يجوزُ رفعُهُ من الأرض، إلَّا بزمانٍ وعهدٍ محدودٍ؛ فإنَّ العهدَ الدائمَ على تركِ الجهادِ على كلِّ الأممِ إبطالٌ له وإلغاءٌ لتشريعِه، ولكنْ قد يصحُّ عهدٌ دائمٌ لجهةٍ وأرضٍ وعدوٍّ بعينِهِ لا كلِّ الأممِ؛ فقد