للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه يُحمَلُ ما جاء عن عِكْرمةَ والحسنِ في هذه الآيةِ: أنَّهما قالا: إنَّ آيةَ التوبةِ مِن الحِرَابةِ هذه لا تُحرِزُ المُسلِمَ.

والصورةُ الثانيةُ: أن يُحارِبَ فيُطلَبَ ويُعرفَ أمرُهُ ويُعجَزَ عنه، ويُعلِّقَ أمْرَ توبتِهِ بالعفوِ عنه، والإمامُ عاجِزٌ عنه، ولو لم تُقبَلْ توبتُهُ، استمَرَّ فسادُهُ وإفسادُه؛ فإنَّ توبتَهُ تُقبَلُ ويَسقُطُ عنه الحقُّ المُناطُ بالحاكم، وهو الصَّلّبُ والقتلُ والقطعُ مِن خِلَافٍ، واختُلِفَ في حقوقِ الناسِ: فقال بإسقاطِها جميعًا اللَّيْثُ.

وبقَبُولِ التوبةِ عمِلَ الصحابةُ؛ فقد جاء عن عليٍّ وأبي موسى وابن عباسٍ والحسنِ بن عليٍّ وعبدِ اللهِ بنِ جعفرٍ وغيرهم؛ كما رَوى ابنُ أبي حاتمٍ؛ من حديث مُجالِدٍ، عن الشَّعْبيِّ؛ قال: "كان حارثةُ بن بَدْرٍ التميميُّ مِن أهلِ البصرة، وكان قد أفسَدَ في الأرضِ وحارَبَ، فكلَّمَ رجالًا من قريشٍ، منهم الحسنُ بن عليٍّ وابنُ عبَّاسٍ وعبدُ اللهِ بن جعفرٍ، فكلَّمُوا عليًّا فيه، فلم يُؤمِّنْهُ، فأتَى سعيدَ بنَ قيسٍ الهَمْدَانيَّ فخلفه في دارِه، ثم أتَى عليًّا، فقال: يا أميرَ المؤمِنينَ، أرأيتَ مَن حارَبَ اللَّه ورسولَه، وسعَى في الأرضِ فسادًا، فقرَأَ حتى بلغ: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ﴾، قال: فكتَبَ له أمانًا، قال سعيدُ بن قيسٍ: فإنَّه حارثةُ بن بَدْرٍ" (١).

ورَوى الشعبيُّ نحوَهُ عن أبي موسى زمنَ عثمانَ بنِ عفَّانَ؛ أخرَجَهُ ابنُ جريرٍ (٢).

وذهَبَ الضحَّاكُ وابن شهاب والليثُ ومالكٌ والأوزاعيُّ والشافعيُّ: إلى أنَّ مَن خِيفَ استطارةُ شَرِّهِ إنْ لم يُعْفَ عنه، وهو قادرٌ على


(١) "تفسير ابن كثير" (٣/ ١٠٢). وينظر: "تفسير الطبري" (٨/ ٣٩٤).
(٢) "تفسير الطبري" (٨/ ٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>