للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ٢٠٨].

ذكَرَ اللهُ صفاتِ الناسِ ومَرَاتِبَهم؛ منهم: مَنْ يُريدُ الدُّنْيا، ومنهم: مَنْ يُرِيدُ حَسَنةَ الدُّنْيا والآخِرةِ، ومنهم. مَنْ يَشْرِي نفسَهُ ابتغاءَ مَرْضاةِ اللهِ، ومنهم: مَنْ يُضمِرُ الشَّرَّ للناسِ والإفسادَ لهم، ويُقسِمُ على خلافِ ذلك، ثمَّ خاطَبَ اللهُ بندائِهِ أهلَ الإيمانِ أنْ يدخُلُوا في السِّلْمِ كافَّةً، والسِّلْمُ: بكسرِ السينِ وفتحِها، مع سكونِ اللامِ؛ قرَأَ نافعٌ وابنُ كَثِيرٍ والكِسَائيُّ وأبو جعفرٍ: بفتحِ السينِ، والباقونَ مِن العشرةِ: يَقرؤونَها بكسرِ السينِ، وهو مشتقٌّ مِن السَّلَامةِ، وهو الاستسلامُ والانقيادُ لِمَا أُمِرَ به الإنسانُ أو أَلْزَمَ به نفسَهُ.

و"السِّلْمُ" في كلامِ المفسِّرينَ مِن السلفِ والخلفِ محمولٌ على مَعَانٍ، جِمَاعُها مَعْنَيَانِ:

أوَّلُهما: الاستسلامُ للهِ والانقيادُ له؛ بالدخولِ في دِيِنِهِ وامتثالِ أمرِهِ ونهيِهِ:

ويُطلَقُ السِّلْمُ في كلامِ العربِ، ويرادُ به: الانقيادُ لله والاستسلامُ له بدين الإسلام؛ قال امْرُؤُ القَيْسِ بنُ عابسٍ الكِنْدِيُّ، حينَما ارتَدَّ قومُهُ عن الإسلامِ:

دَعَوْتُ عَشِيرَتِي لِلسِّلْمِ لَمَّا … رَأَيْتُهُمُ تَوَلَّوْا مُدْبِرِينَا

فَلَسْتُ مُبَدِّلًا بِاللهِ رَبًّا … وَلَا مُسْتَبْدِلًا بِالسِّلْمِ دِينَا

وهذا الذي عليه المفسِّرونَ مِن السلفِ؛ رواهُ ابنُ جريرٍ، عن ابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ؛ قال: "السِّلْمُ: الإسلامُ" (١).

ورواهُ العَوْفِيُّ عن ابنِ عباسٍ.


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٥٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>