للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِبْرَاهِيمَ لمَّا أُلْقِيَ فِي النَّارِ، لَمْ تَكُنْ فِي الأَرْضِ دَابَّةٌ إِلَّا أَطْفَأَتِ النَّارَ، غَيْرَ الْوَزَغِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْفُخُ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ بِقَتْلِهِ (١).

ولم يُؤاخَذِ الوزغُ إلَّا لأنَّه يَعلَمُ ما فعَلَ، ويُدرِكُ إبراهيمَ مِن غيرِه.

واقتصاصُ اللَّهِ بينَ البهائمِ حقوقَها دليلٌ على أنَّ فيها نوعَ إدراكٍ، لأنَّ اللَّهَ لا يقتصُّ ببنَ مَجَانِينِ بني آدمَ وأطفالِهم الحقوقَ التي تكونُ بينَهم؛ لأنَّهم لا يُدرِكونَ، فدَلَّ على أنَّ إدراكَ البهائمِ فوقَ إدراكِهم، ولكنَّ اللَّهَ حجَب الوساطةَ والرابطةَ بينَ الحَيَوانِ وبينَ بَني آدمَ، وهو اللِّسَانُ، ولم يَخُصُّ بها إلَّا سليمانَ ومَن شاء مِن خَلْقِه.

وضربُ الحيوانِ لتعليمِه، أو لتأديبِهِ وعقابِهِ على جنايتِهِ وخطئِه - على نوعَيْنِ:

النوعُ الأولُ: ضربُ الحيوانِ على ما يتعلَّمُه؛ كضربِ الكلبِ ليَتعلَّمَ، والفرَسِ والجمَلِ ليُسرعَ، وكذلك عقابُهُ على خطئِه؛ كضربِ الكلب إنْ أكَلَ مِن الصَّيدِ دونَ إذنِ سيِّدِه، ويكونُ ضربُهُ وتأديبُهُ بما يحصُل المقصودُ منه، لا يَزِيدُ عليه فيُعذِّبَهُ؛ فإنَّ الزيادةَ على ذلك محرَّمةٌ.

ولا يجوز ضربُ الحيوانِ الذي لا يَتعلَّمُ مِثلُهُ بقصدِ تعليمِه، ولا تعذيبُ مَن لا يُدرِكُ خطَأَهُ مِن الحيوانِ بقصدِ زجرِه عن تَكرارِ فِعلِه؛ وإنَّما يجوز ضربُهُ لدفعِهِ عن الإضرارِ وحمايةِ النفسِ منه بما يَدْفَعُه.

النوعُ الثاني: تعذيبٌ وضربٌ له على ما لا يُدرِكُه مِن تصرُّفِه، وعلى ما لا يَتأدَّبُ عن تركِهِ أو فعلِه؛ لأنَّه لا يَفْهَمُ المقصودَ مِن الضربِ، ولا على أيِّ شيءٍ نزَلَ به، فهذا لا يجوزُ إلَّا بمقدارِ ما يَدْفَعُ الإنسان عن حقِّه مِن مالٍ وزرعٍ ومَسْكَنٍ، وإذا كان لا يندفعُ أذاهُ إلَّا بقتلِه، قتَلَه؛ كما أَذِنَ النبيُّ بقتلِ الفواسقِ الخمسِ.


(١) أخرجه أحمد (٦/ ٨٣)، وابن ماجه (٣٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>