للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قولُه تعالى: ﴿أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾: لم يُنزِلْ سليمانُ العذابَ بالهدهدِ حتى أمهَلَهُ لِيَأْتِيَهُ ببيِّنةٍ تَعذِرُهُ غيابِه؛ وفي هذا أنَّه لا يجوزُ إنزالُ العقابِ على المخطئِ حتى تُسمَعَ حُجَّتُه، وإنْ طلَب الإمهالَ يُمهَلُ ليأتيَ ببيِّنِتهِ وشاهِدِه، وفي الصحيحِ: أنَّ الأشعثَ بنَ قيسٍ جاء مُدَّعِيًّا إلى النبيِّ على يهوديٍّ، فقال له النبيُّ : (ألَكَ بَيِّنَةٌ؟ ) (١)، ولمَّا جاءه هلالُ بن أمَيَّةَ، وقد قذَفَ زوجتَهُ، قال له النبيُّ (البَيِّنَةُ أَوْ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ) (٢).

* * *

* قال تعالى: ﴿إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل: ٢٣].

استنكَرَ الهدهدُ ما رآهُ مِن قومِ سَبَأٍ ومَلِكَتِهم، فذكَرَ ما لم تَجْرِ العادةُ به، وهو مُلْكُ المرأةِ على القومِ والبُلْدانِ؛ وفي هذا أنَّ فِطَرَ الحيوانِ والإنسانِ جُبِلَتْ على قيامِ الرِّجالِ بالمُلْكِ وسيادةِ البُلْدانِ وسياسةِ الناسِ.

وليس في الآياتِ إقرارٌ مِن سليمانَ لها على مُلْكِها لقومِها، بل فيها إقرارٌ مِن سليمانَ للهدهدِ على استنكارِه، وقومُ سبأٍ لم يكونوا على الإسلامِ، والأنبياءُ يُخاطِبونَ الأُمَمَ بأعظَمِ أخطائِهم، وهو الكفرُ والشِّرْكُ، ولا يشتغِلُونَ بما دونَهُ حتى يُصلِحوا ما هو أعلى منه؛ ولهذا لمَّا دخَلَت ملكةُ سبأٍ في مُلْكِ سليمانَ، لم يُوَلِّها شيئًا.


(١) أخرجه البخاري (٢٤١٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢٦٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>