مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢]، والعَدْلُ: من لم يُعرَفْ فِسْقُهُ بكبيرةٍ، أو إصرارٍ على صغيرةٍ، وإن تعذَّرَ شاهدٌ لم يظهَرْ فسقُهُ بصغيرةٍ، ليجوزُ الإشهادُ بأهلِ الصغائرِ؛ حتَّى لا تضيعَ الحقوقُ، ولِنُذْرةِ السلامةِ منها، خاصَّةً في الأزمِنَة المتأخِّرةِ، وإنْ كَثُرَ أهلُ السلامةِ منها في بلدٍ، رُدَّتْ شهادتُهُ؛ لأنَّ قبولَ شهادةِ الفاسقِ ورَدَّها لحفظِ الحقوقِ أن تَصِيعَ، والمصلَحةُ الغالبةُ في قبولِها ورَدِّها يُؤخَذُ بها.
والأصل في المسلِمِ المشهورِ: العدالةُ ما لم يُجرَحْ، وأمَّا المسلِمُ المستورُ، فاختُلِفَ فيه:
فقال مالكٌ والشافعيُّ: إنَّ الأصلَ عدَمُ قبولِ الشهادةِ، حتَّى تثبُتَ العدالةُ، وظاهِرُهُ: أنَّ مَن عُجِزَ عن معرِفةِ عدالتِهِ تُرَدُّ شهادتُه.
وقال أبو حنيفةَ والليثُ: إنَّ الأصلَ قَبولُ شهادتِهِ، حتَّى يثبُتَ الفِسْقُ.
والأظهَرُ: أنَّ الأمرَ يَرجعُ إلى الزمانِ والمكانِ وغَلَبَةِ الفِسْقِ فيهما؛ فإنْ كان المستورُ في بلدٍ يعُمُّ فيهِ الفِسْقُ، اشتُرِطَ ثبوتُ العدالةِ، ولم يُقبَلِ السترُ، وإنْ كان في بلدٍ تعُمُّ فيه العدالةُ والديانةُ، فالأصلُ العدالةُ حتَّى يثبُت الفِسْقُ.
ويفرَّقُ بين الإشهادِ على الشيءِ اليسيرِ مِن الحقِّ والشيءِ الكثيرِ، في التساهُلِ بالاستيثاقِ مِن حالِ الشاهِدِ.
ومَن عُرِفَ بخُصُومةٍ أو قرابةٍ مع أحدِ أصحابِ الحقِّ، فلا تصحُّ شهادتُهُ؛ لقولِهِ ﷺ:(لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ)(١)، ولكنْ لو شهِدَ القريبُ على قريبِهِ وليس خَصْمَا له، جازَ، وإذا شهدَ الخَصْمُ لحظِّ خَصْمِهِ، جازَ؛ لأنَّه أبعَدُ عنِ التُّهَمةِ مِن غيرِه.
(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (١٥٣٦٥) (٨/ ٣٢٠)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٠١).