للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُفتي الحسن بالمُدِّ وحدَهُ، ويُفتي مجاهدٌ تارةً بالصاعِ وتارةَ بالمد.

ثالثًا: أن مِن السلفِ مَن يُخيِّرُ بينَ نصفِ الصاعِ مِن الجيد، والصاعِ مما دونَه؛ كما جاء عن عمرَ؛ فقد جعَلَ مِن البر نصفَ صاع، ومِن التمرِ صاعًا، وكابنِ عباسٍ: جعَلَ مِن الجيدِ كالحِنْطةِ مُدا، ومما دونَه مدين، ومنهم مَن يأمر بالصاعِ للواجِد، وبنصفِ الصاعِ للعاجزِ.

وفي هذا: إشارة إلى أن الشِّبَعَ يَختَلِفُ؛ فأَعلاه الصاعُ، وأدناهُ نصف الصاع، وأعلى ما تَبْرَأ به الذمة الصاعُ، وأدناهُ نِصفه، ولو كان حدا مقدرًا بالصاعِ عندَ واحدِ منهم، لم يجزِيء النصف، ويعتبَر العاجز عن الصاعِ ولو قَدَرَ على النصفِ غيرَ واجد، فينتقلُ إلى الصومِ.

رابعًا: أن الأحاديثَ المرفوعةَ في بيانِ مِقدارِ الطعامِ معلولة، ومِثلُ الأحكامِ في الطعامِ المنضبطةِ المقدارِ كيلًا ووزنًا: تَرِدُ فيها الأحاديثُ وتتواتَر، وينقلها الصحابة، وقد ضبطَ مقدار زكاةِ الفِطرِ وهي حَولِيَّةٌ، على خلافِ في وجوبِها، مع وقوعِ كفارة الأيمان مِن الناسِ في يومِهم وليلتِهم، أو أسبوعِهم وشهرِهم؛ فمقدارُ طَعام كفارةِ اليمينِ أحوَج إلى الضبطِ والبيانِ مِن غيرِه؛ ولهذا جاء في القرآنَ بيانُ أحكامِ كفارةِ اليمين، ولم يأتِ فيه بيان أحكامِ زكاةِ الفِطرِ صريحًا، والشريعةُ لا تترك بيانَ حُكمِ أهَم وتُبينُ ما دونَهُ إلا والتركُ مقصود للتوسعةِ والتيسير، وأنه لا يَنضبِط بمقدارِ بين؛ كما في كفارةِ اليمينِ.

خامسًا: أنَّ اللهَ وصَفَ الكفارةَ ب ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾، والإطعام مُضاف إلى آكِلِه، لا إلى مُطعِمِه؛ فلَزِمَ أن يكونَ المراد إشباعَهُ.

وعُلِمَ عقلًا وشرعًا: أنه ليس المقصود مِن الإطعام أدنَى ما يُطلَقُ عليه الطعامُ؛ كتذوُّقِ الحَبَّةِ والقَطرةِ، وهو - وإن كان يُطلَقُ عليه طعامٌ -، لكنه لا يُسمَّى في عُرفِ العربِ ولا الشرعِ إطعامًا، ففرقٌ بينَ الطعامِ وبينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>