لمَّا أطلَعَ اللَّه نبيَّه على ما تظاهَرَتْ به عائشةُ وحفصةُ، عرَّف النبيُّ ﷺ حفصةَ بعضَ ذلك، وأعرَضَ عن بعضِه الآخَرِ؛ أي: أخبَرَها بشيءٍ مِن أمرِها، ولم يُخبِرْها بشيءٍ آخَرَ.
وفي هذا: أنَّ السُّنَّةَ التغافُلُ عمَّا لا يحسُنُ ذِكْرُه، أو ما كان ذِكْرُهُ يُحْيِيهِ ويُعظِّمُ شأنَ المذكورِ وهو دون ذلك، ويُكتفَى بذِكْرِ بعضِه، لِيَسْرِيَ العلاجُ على باقِيه.
وقولُه تعالى: ﴿عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ﴾، فيه: أنَّه مِن الحِكْمةِ أنَّ بعضَ الأمورِ لا يصلُحُ فيها التغافُلُ التامُّ المُشعِرُ بالغَفْلةِ والبلادةِ، بل يُبيَّنُ طرَفُها المُشعِرُ بالعِلْمِ، ويُكتَمُ القَدْرُ الذي لا حاجةَ إليه، أو كانتِ الحاجةُ إلى ذِكْرِهِ ضعيفةً، أو يكونُ ضررُ إخراجِهِ أشَدَّ مِن ضررِ كَتْمِه.
والتغافُلُ ليس على مَرْتبةٍ واحدةٍ، بل هو على مَراتِبَ بحسَبِ الأمرِ الذي جاء فيه:
فمِنَ الأمورِ:
ما يُستحَبُّ التغافُلُ عنه بالكليَّةِ.
ومنها: ما يُستحَبُّ أنْ يُبدِيَ بعضًا ويَكتُمَ الآخَرَ، ويَختلِفُ قَدْرُ ما يُبدِيهِ وما يُخفِيهِ؛ كلُّ حالهٍ بحسَبِها، وهذا يَرجِعُ إلى حِكْمةِ الإنسانِ وعِلْمِه، ومِن الناسِ: مَن يظُنُّ أنَّه إنْ كان ذا حقِّ، فله أن يُبدِيَ مِن حقِّه ما يشاءُ؛ مِن غيرِ نَظَرٍ إلى ما يُصلِحُ الأمرَ ولا ما يُفسِدُه.