الحرامِ مع كُرْهِ الزِّنى واعتقادِ تحريمِهِ؛ فهذا لا يأثمُ به ما لم يَعْمَل أو يعتقِدْ؛ فإن عَمِلَ بلا اعتقادٍ، أَثِمَ، وإنِ اعتقَدَ ولو لم يَعْمَلْ، كفَرَ؛ ولكنْ ما يجِدُهُ في نفسِهِ مِن مَيْلٍ ومحبةٍ؛ فلا يُؤاخَذُ به، بل يُؤجَرُ عَلَى مجاهَدةِ النفسِ بطردِهِ والبعدِ عن أسبابِه؛ لأنَّ اللهَ ابتَلَى له النفوسَ اختبارًا وامتحانًا، ولِتُؤجَرَ عَلَى محاهدتِه ويعظُمَ لها الأجرُ بذلك، ولو كانتِ النفوسُ لا تشتهي الحرامَ مالًا ونساءً وطعامًا وشرابًا ولباسًا بطبعِها، ما كان للأجرِ على التركِ معنًى؛ لهذا يُؤجَرُ الإنسانُ على تركِ ما يُحِبُّه ويشتهِيهِ مِن الحرامِ؛ كلُبْسِ الحريرِ وشُرْبِ الخمرِ وأكلِ ما لم يُذكَرِ اسمُ اللهِ عليه، ولا يُؤجَرُ عَلَى تركِ ما لا يشتهِيهِ وما تَعَافُهُ النفسُ بطبعِها؛ كشُرْبِ النجاسةِ كالبولِ، وأَكْلِها كالعَذِرَةِ.
الثاني: الكُرْهُ الشرعيُّ، والمحبَّةُ الشرعيَّةُ؛ وهي ما يعتقِدُهُ الإنسانُ ويتديَّنُهُ مِن محبَّةِ العقائدِ والأقوالِ والأعمالِ التي أمَرَ بها اللهُ ورسولُهُ ومحبَّةِ أهلِها، وكُرْهِ ما نَهَى اللهُ عنه وكُرْهِ مَن وقعَ في النهيِ.
وهي المحبَّةُ والكراهِيَة الخارجةُ عن الطبعِ، وهي المكتسَبةُ، فيقَعُ عليها التكليفُ؛ كحُبِّ أوامرِ اللهِ وأحكامِهِ؛ كالصلاةِ والزكاةِ والصومِ والحجِّ والجهادِ والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكَرِ، وحُبِّ أهلِها، ولو وجَدَ الإنسان بنفسِهِ كرهًا وتثاقلًا عنها لَحظِّ نفسِهِ ولا يجدُ في نفسِه هذا الشيءَ لحظِّ غيرِهِ بل يُحِبُّها، فمَن كَرِهَ إقامةَ حدِّ السرقةِ لكونِهِ سارِقًا لخوفِهِ القطعَ، ولم يَجِدْهُ في نفسِهِ لو كان الحدُّ على غيرِهِ، لم يكنْ مُؤاخَذًا، أو وجَدَهُ مِن رحمةٍ طَبَعيَّةٍ لا تؤثِّرُ عَلَى اعتقادِهِ وقولِه، فلا يؤثِّرُ هذا على إيمانِه.
وعكسُ هذا كراهةُ ما نَهَى اللهُ عنه مِنَ الخمرِ والميسرِ والقِمَارِ والزِّنى والرِّبَا وغيرِها.