المالُ المرادُ محقَّرًا، فالأَوْلى فِداءُ النفسِ به، ولو دفَعَ نفسَهُ ليَحفَظَ مالَه، جاز له، ولو قُتِلَ فهو شهيدٌ.
ومَن دافَعَ صائلًا عن مالِه، وقَتَلَ الصائلَ بأَدْنَى ما يدفَعُهُ، فكان القتلُ، فدمُ المقتولِ هَدَرٌ، فإذا لم يكنْ للقاتلِ بيِّنةٌ في دفعِ الصائل، فيقادُ به؛ لأنَّ الأصلَ عِصْمةُ دمِ المقتول، ولو قُتِلَ القاتلُ قِصاصًا وهو في الحقيقةِ يدفَعُ عن مالِه، كان شهيدًا في إقامةِ الحدِّ عليه، ويجبُ على القاضي قتلُهُ؛ لعدمِ البيِّنةِ على دَعْواه؛ لأنَّ في هذا حفظًا للأمرِ العامِّ وضبطًا له، ولىس في هذا تناقضٌ مِن إجازةِ الشريعةِ للرَّجُلِ الخالي مِن البيِّنةِ على دفعِ الصائلِ أنْ يدفَعَ الصائلَ ولو بقتلِهِ إنْ كان لا يَندفِعُ إلا به، وبينَ قتلِهِ بالمقتولِ قِصاصًا إنْ لم يكنْ معه بيِّنةٌ؛ حتى لا تُستباحَ النفوسُ بعُذْرِ دفعِ الصائلِ؛ فيَكثُرَ البَغْيُ مِن الظالمينَ على الناس، وَينتقِمَ الناسُ بعضُهم مِن بعضِ بالقتلِ بلا بيِّنةٍ.
ومِثلُ هذا دفعُ الرجلِ عن عِرْضِهِ وأهلِهِ ولو بالقتل، ولو لم تكنْ لدَيْهِ بيِّنةٌ على دفعِه، يُقادُ بِمَنْ قتَلَهُ قِصاصًا، ولو قُتِلَ قصاصًا، فهو شهيدٌ، والحاكمُ معذورٌ؛ لأنَّه يَحكُمُ بما ظهَرَ له، وهذا لا يُناقِضُ أمرَ الشارعِ له بأنْ يدفَعَ عن عِرْضِه، ولكن لِيَحميَ النظامَ العامَّ والدمَ العامَّ مِن الهدرِ والسفك، ولكيلا يتسلَّلَ الظلمُ والبغيُ والانتقامُ بحُجَج الدفعِ عن العِرْضِ؛ فيُخطَفَ الناسُ مِن بُيُوتِهم ليُوضَعُوا في البيوتِ ليُقتَلُّوا فيها بدَعْوَى الدفعِ عن العِرْض، فلو عَلِمَ أصحابُ الشهواتِ والظلمِ أنَّ القتلَ في البيوتِ يُسقِطُ الحدودَ وحدَهُ بلا بيِّنةٍ، لكان ذلك محلًّا لسفكِ الدماءِ.
ولهذا تأمُرُ الشريعةُ بالشيءِ الخاصِّ مِن وجهٍ، وتُعاقِبُ عليه مِن وجهٍ؛ فالأمرُ به لحفظِ الحقِّ الخاصِّ ببيِّنةٍ أو بغيرِ بيِّنةٍ، وتُعاقِبُ على عدمِ البيِّنةِ عليه؛ لحفظِ الأمرِ العامّ، وحتى لا تضيعَ الأموالُ وتُستباحَ