ويُستثنى مِن ذلك الزمَنُ الذي تتعدَّدُ فيه الأعداءُ، وتكثُرُ الثغورُ، ولا قِبَلَ للمُسلِمينَ بكلِّ أحدٍ؛ كما كانتِ اليهودُ وقريشٌ وسائرُ المشرِكِينَ يُحارِبونَ النبيَّ ﷺ.
وإذا عاهَدَ المُسلِمونَ المشرِكينَ الذين عُرِفُوا بنقضِ العهد، فهل للمُسلِمينَ أنْ ينقُضُوا عهدَهم معهم متى شاؤوا؟ وجواب ذلك: أنَّ المُعاهَدينَ المعروفينَ بالنَّكْثِ على نوعَيْنِ:
النوع الأوَّلُ: قومٌ لم يَظهَرْ منهم ما يُبدِي تربُّصَهُمْ ومَكرَهُمْ ونَقْضَهُمْ للعهد، فلم يجهِّزوا في السِّرِّ ويَمكُروا في الباطنِ على المؤمنين؛ فهؤلاءِ يُمضَى لهم عهدُهُمْ إلى مُدَّتِهم، ولا يجوزُ نقضُ عهدِهْم لمجرَّدِ سابقةِ نقضٍ لهم؛ لأنَّ الأصلَ بقاءُ العهودِ وعدم نقضِها ووجوبُ الوفاءِ بها؛ على ما تقدَّمَ في صدرِ سورةِ المائدةِ.
النوع الثاني: قومٌ أظهَرُوا ما يُبدِي خِيَانةَ، أو جاءَتِ الأعيُنُ للمُسلِمينَ تْخبِرُهم بأنَّهم يُعِدُّونَ العُدَّةَ وَيتربصونَ الدوائرَ بالمؤمنِين؛ فهؤلاء يجوزُ أنْ يُنبَذَ إليهم عهدُهم، ولا يجوزُ تَبيِيتُهم على غِزَّةِ والعهدُ قائمٌ، بل يُنبَذُ عهدُهم ويُبَلَّغُونَ بتعطيلِ العهدِ؛ وهذا ظاهرٌ في قوله: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾، وللمُسلِمينَ أنْ يُقاتِلُوهم أو يُبَيتِّوهُم بعدَ ذلك إنْ شاؤوا ليلًا أو نهارًا، ولو لم يَعلَموا، ما دام نُبِذَ إليهم عهدُهم بعلْمِهم؛ فلا حُرْمةَ لهم، ولا إثمَ في أخذِهِمْ على حِينِ غَفْلةٍ وغِرَّةٍ.