عنه في قيامِ هذا الأمرِ أحدٌ، وهو ينوبُ عن كلِّ أحدٍ، فأمَرَ صحابتَهُ بالهجرةِ إلى الحبشةِ؛ ليُقِيموا دينَهم، وَيحفَظوا أنفُسَهم، حتَّى عادُوا مرَّةً أخرى متفرِّقينَ حتى السنةِ السابعةِ مِنَ الهجرةِ حينَما أرسَلَ إليهِمُ النَّبيُّ ﷺ لمَّا اشتدَّ أمرُ النبيِّ، وقَوِيَت شوكةُ المُسلِمينَ، وانكسَرَت شوكةُ المُشْرِكينَ، بعدَ بَدْرٍ وأُحُدٍ والحُدَيْبِيَةِ وفتحِ خَيْبَرَ، حتَّى قال النبيُّ ﷺ: (مَا أَدْرِي بأَيِّهِمَا أَنَا أَسَرُّ؛ بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَوْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ! (١).
وفي هذا جوازُ أن يدخُلَ بعضُ المُسلِمِينَ في حمايةِ غيرِ المُسلِمينَ؛ عندَ تعذُّرِ قوَّةٍ للمُسْلِمنَ تَحَفَظُ دينَهم ودَمَهم.
وقد كانتْ آياتُ الجهادِ قد نزَلَت عَلَى رسولِ اللهِ ﷺ، والصحابةُ في الحبَشَةِ، فلم يأمرُهُمْ بالقتالِ فيها؛ لأنَّهم قليلٌ، والحاكمُ عَدْلٌ يُرْجَى إسلامُهُ بلا قتالٍ، وقد أسلَمَ بعدُ، فأخبَرَ النبيُّ ﷺ بموتِهِ وإسلامِهِ قبلَ فتحِ مكَّةَ.
وفي هذا أنْ يُفَرِّقَ المسلِمونَ بينَ مواضعِ القُوَّةِ والضعفِ فيهم، ويُفرِّفوا بينَ الدولةِ الكافرةِ المُسالِمةِ المُناصِرة، والدولةِ الكافرةِ المُحارِبةِ المعاديةِ؛ فالنجاشيُّ احتُسِبَ نَصِيرًا وهو كافرٌ، فاحْتُمِيَ به زمَنَ الضَّعْفِ، فلم يُعَادَ ولم يُقاتَلْ، ثُمَّ أسْلَمَ ﵁.
* * *
* قال تعالى. ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٠)﴾ [النساء: ١٠٠].
المرادُ بالهجرةِ في الآيةِ: الهِجْرةُ إلى المدينة، والمُراغَمُ هو
(١) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٤٧٠) (٢/ ١٠٨)، وابن هشام في "السِّيرة" (٢/ ٣٥٩).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute