منه أعظَمُ وأَوْلى مِن غيرِه؛ سواءٌ كان ذلك في الكافِرينَ أو المُنافِقينَ، فله هَيْبةٌ، ومنه رَغْبةٌ، لا تكونُ لغيرِه، ومِن ذلك قولُهُ تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق: ١].
ومنها: أنَّ الأمرَ الذي يتمُّ الخِطابُ لأجلِهِ عظيمٌ، فيتوجَّهُ الأمرُ للأَعْلى؛ حتَّى لا يَظُنَّ أحدٌ خروجَهُ منه، فلا أعظَمَ ولا أشرَفَ مَقامًا في البشَرِ مِن النبيِّ ﷺ، فإذا توجَّه الخطابُ إليه، كان توجُّهُهُ إلى غيرِهِ أَوْلى؛ مِن حاكمٍ وسُلْطانٍ، وخاصٍّ وعامٍّ، وذَكَرٍ وأُنثى.
ومنها: أنَّ الأمرَ مختصٌّ بالنبيِّ ﷺ، وهذا خلافُ الأصل، وهو قليلٌ نادرٌ، ولا بدَّ مِن دليلٍ يقومُ عليه.
وقد يكونُ الخطابُ متوجِّهًا إلى النبيِّ ﷺ، ولكنَّ المرادَ به غيرُهُ؛ كما في قولِهِ تعالى: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤]، فالشَّكُّ لا يُنسَبُ إلى النبيِّ ﷺ.
وفد زعَمَ مانِعو الزكاةِ أنَّ هذه الآيةَ: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً﴾ خاصَّةٌ بالنبيِّ ﷺ؛ شُحًّا وطمعًا في نُفُوسِهم، حمَلَهُمْ على هذا التأويل، فقاتَلَهُمْ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ والصحابةُ معه، فقال:"وَالله، لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ، لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ"؛ رواهُ الشيخانِ (١).
وقد بيَّن أبو بكرٍ والصحابةُ لهم سُوءَ زَعْمِهم، وبُطْلانَ فَهْمِهم، بالحُجَّةِ والدليل، ثم قاتَلُوهم على ذلك لمَّا أصَرُّوا على منعِها، وفي ذلك أنَّ الضلالةَ ولو كانتْ بيِّنةً ظاهرةً، فالواجبُ بيانُها لأهلِها، وإقامةُ الحُجَّةِ عليهم؛ فقد يكونُ فيهم مَنْ هو جاهلٌ أو مأمورٌ وهو كارِهٌ، فإنْ تَبَيَّنَ له، عادَ إلى الحقِّ والرشدِ.