للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دُبُرِها؛ يعني: مُدْبِرَةً في قُبُلِها، وهذا كانت تَكْرَهُهُ يهودُ، ويقتدِي بهم بعضُ أهلِ المدينِةِ؛ فبيَّنَ ابنُ عمرَ جوازَ هذا الفعلِ بهذه الآيةِ؛ فرواهُ عنه نافعٌ وغيرُه، وقرينةُ ذلك: أنَّ غيرَ واحدٍ مِن الأئمَّةِ المصنِّفينَ كالبخاريِّ وغيرِه يَرْوُونَ ذلك عن ابنِ عمرَ في تفسيرِ هذه الآيةِ، وهذه الآيةُ في إتيانِ المرأةِ مُدْبِرَةً في قُبُلِها لا في دُبُرِها، وهذا سببُ النزولِ؛ كما سلَفَ في حديثِ جابرٍ وغيرِه؛ ففَهِمَ بعضُ أصحابِ ابنِ عمرَ وبعضُ أصحابِ أصحابِه هذا على المعنى غيرِ المرادِ؛ وإلَّا فإنَّ تشديدَ ابنِ عمرَ - كما سلَفَ - في إتيانِ المرأةِ في دُبُرِها: لا يَحْتَمِلُ منه قولًا آخَرَ بالجوازِ، وهكذا يُفهَمُ مِن سياقِ مَن رواهُ عن نافعٍ؛ كابنِ عونٍ عن نافعٍ؛ قال: "قرأتُ ذاتَ يومٍ: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾، فقال ابنُ عمرَ: أتدري فيمَن نزَلَتْ؟ قلتُ: لا، قال: نزلَتْ في إتيانِ النساءِ في أَدْبَارِهِنَّ" (١).

فإنَّ سبَبَ النزولِ في الإتيانِ مِن الدُّبُرِ في القُبُلِ؛ كما رواهُ جماعةٌ مِن الصحابةِ والتابعينَ، ومِثلُهُ ينبغي حَمْلُ كلامِ ابنِ عمرَ عليه؛ فإنَّ إتيانَ المرأةِ في دُبُرِها لا حاجةَ فيه إلى إقبالِها أو إدبارِها، ولأنَّ الحُكُمَ لم تَنْزِلْ فيه هذه الآيةُ باتِّفاقِهم.

وعلى هذا تُحْمَلُ روايةُ أيُّوبَ عن نافعٍ عن ابنِ عمرَ، في هذه الآيةِ؛ قال: "في الدُّبُرِ" (٢)؛ يعني: مُدبِرةً لا مُقبِلةً، ولم يُرِدِ الصمامَ الذي يُوضَعُ فيه؛ فإنَّ الآيةَ لم تَنزِلْ في حُكمِهِ أصلًا، وإنَّما تَبَعًا.

ومِثلُ أيوبَ عن نافعٍ: مَنْ رواهُ عن نافعٍ بنحوِ هذا اللفظِ والسياقِ؛ كابنِ عَوْنٍ، وعُبَيْدِ اللهِ بنِ عمرَ بنِ حَفْصٍ، ومحمدِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ أبي ذِئْبٍ، وكذلك روايةُ مالكٍ التي صحَّحَها عن نافعٍ الدارقطنيُّ بنحوِ روايةِ غيرِه.


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٥١).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٧٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>