منهم، فلا يجوزُ التشاوُرُ بينَ وِلايةِ كافرٍ ومسلمٍ باختيارِهم، ما لم يُقهَرُوا، ولكن لهم التشاوُرُ بينَ المُسلمِينَ فيَختارُونَ مَن يصلُحُ منهم.
والشُّورَى فيما لم يَقْضِ اللَّهُ فيه سُنَّةٌ؛ كالذي يَتعلَّقَ بمصالحِ العبادِ والبُلْدانِ من الأموالِ والأعمالِ والنُّظُمِ، وإذا عرَضَ الأميرُ الأمرَ على المُسلِمِينَ، فتَشاوَرُوا، فهل يكونُ رأيُهم مُلزِمًا للأميرِ أو مُعْلِمًا له؟ إنْ أجمَعَ أهلُ الشُّورَى على أمرٍ، فلا يجوزُ للأميرِ مخالفتُهُ إذا كان أمرًا عامًّا ومصلحةً للناسِ؛ وذلك لِمَا في خروجهِ عن إجماعِهم مِن فتنةٍ عليه وعليهم جميعًا، وأمَّا إنِ اختلَفُوا فيما بينَهم وغلَبَ بعضُهم على بعضٍ كثرةً وسَوَادًا في الرأي، فلا يخلو مِن حالَيْنِ:
الأُولى: إن كان الأميرُ عالمًا بصيرًا مستنبِطًا، فالشُّورى بالنسبةِ له مُعْلِمَةٌ تُعطيهِ عِلْمًا إلى عِلْمِه، فقد يَرى ما لا يرَوْنَ، فيجوزُ له مخالفتُهم ما دام عالمًا فيما استشارَهم فيه.
الثانيةُ: إن كان الأميرُ جاهلًا فيما استشارَهم فيه، فالشُّورَى مُلزِمةٌ له على الصحيحِ؛ لأنَّه إنْ صدَرَ بأمرِهِ سيصدُرُ عن جهلٍ وهوًى، ولا يكادُ اليومَ يُوجَدُ في الأمَّةِ حاكمٌ عالمٌ، وإنْ عَلِمَ في بابٍ، فإنَّه على خلافِ ذلك في عامَّةِ الأبوابِ، وقد أمَرَ اللَّهُ بإرجاعِ الأمر إلى العالِمِينَ المُستنبِطِينَ؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٨٣]، ومن لا يَعْلَمْ لا يَستنبِطْ، ومَن لا يَستنبِطْ لا يَفصِلُ، وإنْ كان عِلمُهُ بغيره، فيَحكُمُ ويَفصِلُ بمَنْ يَستشيرُهُ ويُعْلِمُه، واللَّه أعلَمُ.