وكثيرٌ مِن المنشغلينَ بمبادئِ الحرياتِ في عصرِنا يُدِيمُ النظرَ في الممنوعِ الضيِّقِ، ويعطِّلُ نظرَهُ عن المباحِ الواسعِ؛ فيَرَى أنَّ الممنوعَ أعظمُ وأوسعُ، فيَرَى أنَّه سُلِبَ حريةَ الاختيارِ، واللهُ أحَلَّ الأرضَ كلَّها، وحرَّمَ خطواتِ يسيرةً منها، والحريةُ أنْ تعيشَ في سَعَةِ الأرضِ، لا في ضِيقِ الخطواتِ، ومَن عاش في ضِيقِ خطواتِ الشيطانِ، فإنَّه لا يُبصِرُ أنَّ الشيطانَ سلَبَهُ حريتَهُ مِن الأرضِ الواسعةِ؛ ليُقَيِّدَ عيشَهُ في خطواتٍ منها.
واللهُ تعالى وصَفَ الشيطانَ بالعداوةِ للإنسانِ، والعداوةُ للإنسانِ على مراتبَ؛ أعلاها وأَبْيَنُها وضوحًا: العداوةُ التي لا ينتفعُ منها المعتدِي، وإنَّما يفعلُها كيدًا ومَكْرًا بالعدوِّ، وهذه عداوةُ إبليسَ، فليس له انتفاعٌ مِن عداوةِ الإنسانِ؛ ولذا وصَفَ اللهُ عداوتَه بالمُبِينَةِ: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
وعداوةُ إبليسَ واضحةٌ؛ فليستِ انتقامًا تشتبِهُ بطلبِ حقٍّ، أو انتصارًا مِن مَظْلِمَةٍ، وهذه العداوةُ المُبِينَةُ التي لا تحتاجُ إلى إيضاحٍ وتحذيرٍ لكلِّ أحدٍ، ومع ذلك: حذَّرَ اللهُ عبادَهُ مِن عداوةِ الشيطانِ؛ لأنَّ الشيطانَ لا يأتي للإنسانِ بصفتِه الشيطانيَّةِ الإبليسيَّةِ، ولكنْ يأتِيهِ مسوِّلًا له أنَّ هذا في صالحِهِ ومنفعتِه؛ ولذا الْتبَستْ عداوتُه؛ فاللهُ يبيِّنُ