للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حِيَلَهُ ومكايدَهُ وتلبيسَهُ أكثرَ مِن بيانِ حالِه في ذاتِه؛ لأنَّها لا تخفَى.

واللهُ إنَّما نَهَى عن اتِّباعِ خطواتِ الشيطانِ؛ تنبيهًا إلى أنَّ الإنسانَ بوقوعِهِ في المحرَّمِ يَتَّبِعُ طريقَ الشيطانِ وفِعْلَهُ؛ فالتتبُّعُ هو تقصِّي الأثرِ لطريقٍ سُلِكَ مِن قبلُ.

ويَظهرُ من الآيةِ: أنَّه ما مِن محرَّمٍ على الإنسانِ إلا والشيطانُ يفعلُهُ؛ إذا كان مما يَقدِرُ على فعلِهِ لطبيعتِه الخَلْقيَّةِ، ويُظهِرُ هذا: أنَّ الشارعَ كثيرًا ما ينهَى عن أشياءَ، ويعلِّلُ النهيَ عن فِعلِها بكونِ الشيطانِ يفعلُها؛ كالأكلِ بالشمالِ، والمشيِ بنعلٍ واحدةٍ، ونحوِ ذلك.

وفي الآيةِ: قرينةٌ لِمَنْ مالَ إلى تحريمِ الأفعالِ التي دلَّ الدليلُ على أنَّ الشيطانَ يفعلُها، وأنَّ النهيَ عنها على التحريمِ لا على الكراهةِ؛ فاللهُ جعَلَ خطواتِ الشيطانِ بمقامِ أعمالِه، فخطواتُهُ: أعمالُهُ؛ هكذا فسَّرَهُ السلفُ؛ فقد روى الطبريُّ؛ مِن حديثِ معاويةَ بنِ صالحٍ، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ؛ قولَهُ: {خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ}؛ يقولُ: عملَهُ (١)، وصحَّ عن مجاهدٍ، وقتادةَ: أنَّها خطاياهُ (٢).

وهذه مسألةٌ لها مواضعُ لبسطِها.

وقد جعَلَ بعضُ السلفِ: أنَّ ما يحرِّمُهُ الإنسانُ على نفسِه ممَّا يخالِفُ أصلَ الحِلِّ ممَّا لا نصَّ فيه: مِن خطواتِ الشيطانِ؛ فسَّرَهُ بذلك ابنُ مسعودٍ وغيرُهُ؛ فقد روى الطَّبَرانيُّ والبيهقيُّ مِن حديثِ أبي الضُّحَا، عن مسروقٍ؛ قال: أُتِيَ عبدُ اللهِ بضَرْعٍ، فأخَذَ يأكُلُ منه، فقال للقومِ: ادْنُوا، فدَنَا القومُ، وتنحَّى رجلٌ منهم، فقال عبدُ اللهِ: ما شأنُك؟ قال: إنِّي حَرَّمْتُ الضَّرْعَ، قال: هذا مِن خُطُواتِ الشيطانِ، ادْنُ، وكُلْ، وكَفِّرْ


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٨).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>