دِينِه، والعباداتُ تجبُ على الإنسانِ بمقدارِ تمكُّنِهِ في الأرضِ؛ فمِن العباداتِ ما يتعلَّقُ بالفردِ، ومنها ما يتعلَّقُ بالجماعةِ، وكلَّما ضَعُفَ تمكينُ الإنسانِ، تقلَّصَتِ الواجباتُ عليه، حتى لا يجبَ عليه إلَّا ما يَصِحُّ به إسلامُه، وإذا زاد تمكينُة، زاد تكليفُهُ، ومَن لم يَعرِفْ مقدارَ تمكينِه، اضطرَبَ في محرفةِ تكليفِه؛ فإمَّا أن يستعجلَ أحكامًا لا تجبُ عليه؛ فيُضِرَّ بنفسِهِ وبدِينِه، وإمَّا أن يَتراخى في الإتيانِ بما يجبُ عليه؛ فيُقصَّرَ في حقِّ اللَّهِ عليه.
وكثيرٌ مِن الناسِ يَعرِفونَ مقاديرَ التكليفِ، ولكنَّهم لا يَعرِفونَ مقاديرَ التمكينِ؛ فيُخطِئونَ في تقديمِ الدَّينِ أو تأخيرِه، وقد كان النبيُّ ﷺ يُعلِّمُ أصحابَهُ الأمرَيْنِ؛ حتى يستقيمَ دِينُ العبدِ ودِينُ الدَّوْلةِ.
وأوَّلُ ما يَبدأُ التمكينُ: مِن الأفرادِ، ثمَّ يكونُ في الجماعاتِ، ثمَّ يكونُ في الدولِ، ومَن لم يُفرِّقْ بينَ تمكينِ الأفرادِ وتمكينِ الجماعاتِ وتمكينِ الدُّوَلِ، وجعَلَ واحدةً في منزِلةِ الأُخرى، أَخَلَّ باستقرارِ الشريعةِ، فلا يَلزَمُ مِن تمكيِن الفردِ تمكينُ الجماعةِ، ولا مِن تمكينِ الجماعةِ تمكينُ الدولةِ، ولكنَّه يَلزَمُ مِن تمكينِ الجماعةِ تمكينُ الفردِ، ومِن تمكينِ الدولةِ تمكينُ الجماعةِ والفردِ.
وقد بَيَّنَ النبيُّ ﷺ ذلك كلَّه.
وقد يقعُ في المؤمنِ مِن الغَيْرةِ والحميَّةِ للَّهِ ولدِينِه ما يجعلُهُ يتعجَّلُ حُكْمًا قبلَ تمكينِ، فلا يجدُ الحُكْمُ أرضَ تمكينٍ فيسقُطُ وينهارُ؛ فإنَّ التمكينَ للتكليفِ كالأرضِ المستويةِ لقواعدِ الكُرْسِيِّ، فاستقرارُ التكليفِ ودوامُهُ باستواءِ التمكينِ، ومَن أقامَ تكليفًا على غيرِ تمكينٍ، تكلَّفَ في تثبيتِهِ تكلُّفًا يشُقُّ عليه مشقةً شديدةً، وغالبًا أنَّه لا يدومُ إلَّا مع مخالفةِ أمرِ اللَّهِ، فيَعْصِي اللَّهَ في الدفعِ عمَّا استعجَلَ إقامتَهُ مِن حيثُ يُرِيدُ أن