الخِطابِ؛ كما هي عادةُ القرآنِ في خصائصِ النبيِّ ﷺ؛ قال تعالى: ﴿خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأحزاب: ٥٠]، وقال تعالى: ﴿لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ﴾ [الأحزاب: ٥٢].
ثالثًا: أنَّ آيةَ الحِجَابِ جاء معها في الخِطَابِ نفسِه أوامرُ أُخرى: ﴿وَاذْكُرْنَ﴾ -يعني: يا أزواجَ النبيِّ- ﴿مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب: ٣٤]؛ فالذِّكْرُ ليس خاصًّا بهنَّ، فلو قيل بالخَصُوصِيَّةِ، لم يُشرَعْ ذِكرُ ما يُتْلَى في بيوتِهِنَّ مِن القرآنِ والسُّنةِ إلَّا لأزواجِه! مع أنَّ هذه الآيةَ أظهَرُ في الخَصُوصيَّةِ؛ حيثُ قال: ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ وأمَّا في آيةِ الحِجابِ الآتيةِ، فقال: ﴿مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، فما قال:(حِجَابِكُنَّ) كما هنا ﴿فِي بُيُوتِكُنَّ﴾، وهل يُفهَمُ مِن هذا التخصيصِ الزائدِ: ألَّا يَدخُلَ فيه تلاوةً الآياتِ والحِكْمةِ في بيوتِ غيرِكُنَّ، ولا تلاوةً غيرِكنَّ في بيوتِهنَّ وبيوتِ غيرِهنَّ؟ ! وهذا لا يُقالُ به، ولا يَلتزِمُهُ مَن يقولُ بخَصُوصيَّةِ الحِجَابِ، مع أنَّه في نفسِ الآياتِ ونفسِ السِّياقِ.
رابعًا: ما أجمَعَ عليه العلماءُ: أنَّ الأحكامَ تدورُ مع العللِ والمقاصدِ مِن التشريعِ؛ فاللَّهُ تعالى قال هنا: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾، وقال في آيةِ الحجابِ مخاطِبًا الصحابةَ: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ [الأحزاب: ٥٣]، والعلةُ موجودةٌ في عمومِ الجنسَيْنِ على اختلافِ مَرَاتبِهم، ثمَّ ما الشيءُ الذي يُريدُ اللَّهُ إبعادَهُ مِن قلوبِ الصحابهِ وأمَّهاتِ المؤمنينَ، ولا يُوجَدُ عندَ بقيَّةِ النساءِ وبقيِةِ الرجالِ؛ إذا التقَوْا في المَجالسِ والبيوتِ والتعليمِ؟ ! وما الشيءُ الذي يَجِدُهُ الصحابةُ تُجَاهَ أمَّهاتِهِمْ أمَّهاتِ المؤمنينَ ولا يجدونَهُ في بقيةِ النساءِ؟ ! فإذا كان الحجابُ أطهَرَ لقلوبِهم، فمَنْ بعدَهم أحوَجُ إلى هذه الطهارةِ.
خامسًا: أنَّ اللَّهَ قال: ﴿أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ﴾، فجعَل طهارةَ قلوبِ الصحابةِ مَطْلَبًا بذاتِهِ؛ وهذا يحصُلُ في جميعِ النساءِ، بل هو في غيرِ