للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثِ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ: "أنَّ رسولَ اللَّهِ سَبَّقَ بالْخَيْلِ وَرَاهَنَ"؛ أخرَجَهُ أحمدُ (١)، وفي روايةٍ عندَه: "وَأَعْطَى السَّابِقَ" (٢).

وأمَّا إنْ كان العِوَضُ مبذولًا مِن مالِ عامَّةِ الناسِ مِن غيرِ المتسابقِينَ، فعامَّةُ العلماءِ على جوازِه، وحُكِيَ عن مالكٍ المنعُ؛ لأنَّه مِن خصائصِ الإمامِ؛ لتعلُّقِهِ بالجهادِ؛ حكاهُ ابن قُدَامَةَ (٣)، والمشهورُ عن مالكٍ والذي يَحْكِيهِ أصحابُه: جوازُ ذلك، وحكى جماعةٌ مِن فقهاءِ المالكيَّةِ الاتِّفاقَ على جوازِ ذلك.

وأمَّا إنْ كان العِوَضُ (السَّبَقُ) من أحدِ المتسابقِينَ المشاركِينَ؛ فإنْ سبَقَ هو، أَبْقَى مالَهُ له، وإنْ لم يَسبِقْ، أَعْطاهُ لِمَنْ سبَقَه منهم، فهذا قد جوَّزَهُ جمهورُ الفقهاءِ، وقد قال مالكٌ: لا يُعجِبُني، ثمَّ قال: لا بأسَ به (٤)، وكأنَّه رأى تَرْكَهُ تورُّعًا مع عدمِ القولِ بعدمِ جوازِه، وحكى ابنُ قدامةَ عنه روايةً بالمنعِ (٥).

ويَرى كثيرٌ مِن الفقهاءِ مِن أصحابِ مالكٍ: جوازَ ذلك بشرطِ ألَّا يعودَ السَّبَقُ إلى صاحبِه في حالةِ سَبْقِهِ هو؛ وإنَّما يَدفعُهُ لغيرِه ممَّن شهِدَ السِّباقَ إنْ كان السباقُ بينَ اثنَيْنِ، وإنْ كان المتسابِقونَ جماعةً وسبَقَ هو، جعَلَ العِوَضَ (السَّبَقَ) للمتسابِقِ الذي بعدَه، وقد حكى ابنُ عبدِ البَرِّ ذلك عن ربيعةَ ومالكٍ والأوزاعيِّ: أنَّ الأشياءَ المسبَّقَ بها لا تَرجِعُ الى المسبَّقِ بها (٦).

وقد عَدَّ القاضي عبدُ الوهَّابِ ذلك قياسًا على حالِ الإمامِ؛ فإنَّه يُخرِجُ المالَ ولا يَرجِعُ إليه، وهو تعليلٌ ليس بالقويِّ؛ فالإمامُ لا يُشارِكُ


(١) أخرجه أحمد (٢/ ٦٧).
(٢) أخرجه أحمد (٢/ ٩١).
(٣) "المغني" (١٣/ ٤٠٨).
(٤) "الكافي في فقه أهل المدينة" (١/ ٤٩٠).
(٥) "المغني" (١٣/ ٤٠٨).
(٦) "الاستذكار" (١٤/ ٣١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>