للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُتسابِقِينَ سباقَهم في الأغلبِ، ولو شارَكَهُمَ، لكان له حقٌّ كحقِّهم عندَ فوزِه، إلَّا إنْ كان مَنْ قال بهذا القولِ أَجْرَى العِوَضَ مجرى الهبةِ التي لا يجوزُ أن يَرجعَ فيها صاحبُها، وإن كان كذلك، فهو وهَبَها هبةً مشروطةً بالغَلَبةِ والفَوْزِ، وقد يتحقَّقُ وقد يَنتفي فيه وفي غيرِه، والجِعَالةُ يجوزُ فيها أنْ يبذُلَ الشخصُ مالًا لمَن يأتيهِ بضَالَّتِهِ، ثمَّ يُشارِكَهم البحثَ عنها؛ فإنْ وجَدَها هو، بَقِيَ له مالُه، وان وحَدَها غيرُه، أعطاهُ إيَّاه.

وعامَّةُ الفقهاءِ على جوازِ أن يكونَ السَّبَقُ مِن أحدِ المُتسابِقِينَ أو مِن بعضِهم، وأمَّا إنْ كان مِن جميعِهم، ففي المسألةِ خلافٌ عندَهم، والجمهورُ على المنعِ مِن ذلك وحُرْمتِه؛ لدخولِه في القِمَارِ، ما لم يدخُلْ محلِّلٌ بينَهم لا يَدفعُ عِوَضًا، فيُجِيزونَه.

ويُريدُ الفقهاءُ بالمحلِّلِ: أنَّه المتسابقُ الذي يُساوِي بقيةَ المتسابِقِينَ في السِّباقِ، لكنَّه لا يبذُلُ عِوَضًا لمَن سبَقَه، ويأخُذُ العوضَ إذا سبَقَ هو، وسمَّاهُ الفقهاءُ محلِّلًا؛ لأنَّه يُحلِّلُ للسابقِ أخذَ المالِ، فإنَّ المحلِّلَ يَجعلُ العَقدَ حلالًا، ويُخرِجُه عن كونِه قِمَارًا؛ وذلك أنَّ القِمَارَ: أنْ يكونَ المتسابِقُونَ متردِّدينَ بينَ الغُنْمِ والغُرْمِ، وأمَّا المحلِّلُ، فإمَّا غانمٌ، وإمَّا سالمٌ ليس بغارمٍ، وله لا يكونُ العقدُ قِمارًا، ويُسمَّى المحلِّلُ عندَ بعضِ الفقهاءِ: الدخيلَ أو المُحِلَّ أو الميسِّرَ، وللفقهاءِ في دخولِ المحلِّلِ أقوالٌ ثلاثةٌ:

الأولُ: دخولُ المحلِّلِ، وأنَّه لا يصحُّ العَقْدُ إلَّا به؛ وإليه ذهَبَ جمهورُ العلماءِ، وعليه مذهبُ الحنفيَّةِ والشافعيَّةِ والحنابلةِ، وهو أحدُ قولَيْ مالكٍ، واشترَطُوا لدخولِه: ألَّا يَدْفَعَ مِن مالِه شيئًا، وأنْ يُساويَهما فيُكافئَ فرسُهُ فرسَيْهما، أو بعيرُهُ بعيرَهما، أو رميُهُ رميَهما، فلا يكونُ دخولُه صوريًّا، وأن يأخُذَ المالَ إنْ سبَقَ هو مِن بينِهم؛ واستدَلُّوا على

<<  <  ج: ص:  >  >>