للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أكلِ الحرامِ كما فعَلَتِ اليهودُ، وكنكاحِ التحليلِ والشِّغَارِ وغيرِ ذلك.

واستعمالُ يوسُفَ: مِن الحِيلَةِ المشروعة، التي لا يُرتكَبُ فيها وسيلةٌ محظورةٌ ولا الوصولُ إلى غايةٍ محرَّمةٍ، بل هي مِن الوسائلِ المباحةِ والغاياتِ المشروعة، وقد جعَلَ اللَّهُ ذلك مِن الكيدِ الذي وَفَّقَ له يوسُفَ؛ كما في قولِهِ تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: ٧٦].

ومِن هذا قولُهُ تعالى لأيُّوبَ: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤].

ومِن ذلك: ما جاء في "الصحيحَيْنِ"؛ و"السُّننِ"، مِن حديثِ أبي سعيدٍ وأبي هريرةَ -رضي اللَّه عنهما-؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- اسْتَعْمَلَ رَجُلًا عَلَى خَيْبَرَ، فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنيِب، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- (أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ )، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّه، إنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَينِ بِالثَّلَاثَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (فَلَا تَفْعَلْ، بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا) (١).

فأراد النبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مَخْرجًا للوصولِ إلى الحلالِ بوسيلةٍ مباحةٍ، والحِيَلُ قد تكون خفيَّةً جِدًّا، وقد يكونُ خفاؤُها ليس شديدًا؛ كما في حديثِ التمرِ الجَنِيبِ هذا.

* * *

* قال تعالى: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢].

لمَّا أُعلِنَ في الناسِ فَقْدُ صُوَاعِ الملِكِ ولم يُعرَفْ مكانُهُ منهم، جعَلَ لمَن يجدُهُ جائزةً، وهي حِمْلُ البعير، وضَمِنَها لواجِدِها.


(١) أخرجه البخاري (٢٢٠١)، ومسلم (١٥٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>