للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنافقَ يُظهِرُ مِن الشرِّ القليلَ، ويخفِي الكثيرَ؛ كما قال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: ١١٨]؛ فتَعيينُهم عندَ إظهارِ القليلِ مِن الكيدِ يَسْتَعْدِيهِم، ويجعَلُهم يُظهِرُونَ الأكبرَ، وسياسةُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أن مَن يُظهِرُ مِن العداوةِ القليلَ ممن احتفَّتِ القَرَائِن بإخفائِهِ الأكثرَ: لا يَستعدِيهِ بعينهِ؛ حتَّى لا يُظهِرَ الأكثرَ، فتنشغِلَ الأمةُ عن مصالحِها به؛ وإنما يُحذِّرُ مِن فعلِهِ وقولِهِ ووصفِه؛ حتَّى يَحذرَ الناسُ مِن مشاركتِهِ ومُماثلَتِه، وحتى يتهيَّبَ مِن تكرارِ ما يقولُ.

وأمَّا مَن يُظهِرُ أكثَرَ العداوةِ ولم يُبْقِ مِن شَرِّهِ الذي تُؤذَى به الأمةُ إلَّا القليلَ، فهذا يُفاصَلُ باسمِه، ويُعادَى بعَينِه، ويُعاقِبُهُ الحاكم بما يَرْدَعُه.

وهذا كله يُرجَعُ فيه إلى الحِكمةِ والقرائنِ المحتفَّةِ بكلِّ شخصٍ؛ فالأشخاصُ يَختلِفونَ ويتبَايُنونَ بحسَبِ منازِلهم وأحوالِهم وأزمانِهم، ومَدَارُ ذلك إلى مصلحةِ الأُمَّة، لا إلى مصلحتهم، ولا إلى مصلحةِ المُصلِحينَ مِن السلامةِ منهم أو شفاءِ الصدورِ انتقامًا منهم.

* * *

* قال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: ٧٤].

في الآيةِ: أمرٌ بالقتالِ للمخلِصِينَ، بعدَما ذكَرَ حالَ المنافِقِينَ الذين قصَدُوا شِراءَ الدُّنيا بالدِّينِ، ذكَرَ حالَ الصادِقِينَ المُخاطَبِينَ بالأمر، وهم الذين يَشرُونَ - يعني: يَبِيعُونَ - الحياةَ الدُّنيا بالآخِرةِ، فالبيعُ يسمَّى شِراءً، والشِّراءُ يُسمَّى بَيْعًا، وهما - أي: البيع والشراءُ - مِن الأضدادِ ومِن

<<  <  ج: ص:  >  >>