للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقطَعون على سفَهاءِ الناسِ فتنةَ ألسنتِهم وأفعالِهم، فمَن لم يَمنَعه قرآن ولا خوف سُلْطان، منَعتة هَيْبةُ قومِهِ وأَطَروهُ، فلم يَخرُج عما يَرغَبون.

ولكن يُشترطُ في العَرِيفِ الأمانة وسلامة الدينِ العامّ، ولو كان مِن أهلِ اللمَمِ.

وقد كان النبي يتَّخذُ العُرَفاءَ والنقباءَ فيما خفِيَ عليه مِن أمرِ العامَّةِ ورَغباتِ نفوسِهم، وما يتعلقُ باستنفاقِهم عندَ النوازلِ والجَدب، أو معرفةِ حقوقِ أفرادِهم وطيب خواطرِهم؛ لهذا يشق على الحاكم في الدُّوَلِ مترامية الأطراف، وقد كان النبي يتخذُ ذلك في المدينةِ وأهلُها حينئذ قليل وهم على طوعِهِ وأمرِه، فلمَّا جاءَه هوازن مسلِمِينَ وقد سَبَى منهم وقَسَمَ السبيَ، فطلَبُوا إرجاعَ نسائِهم وأولادِهم، وكان الصحابة حازُوا حقهم مِن ذلك، فأرسَلَ إلى الناسِ عرَفاءَهم؛ كما في "الصحيح"؛ مِن حديث عروةَ بنِ الزبيرِ؛ أن مَروَانَ بنَ الحَكَم، والمِسوَرَ بنَ مَخْرَمَةَ أخبَرَاهُ؛ أن رسولَ اللهِ قال حِينَ أذِنَ لَهُم المسلِمُونَ فِي عتق سبيِ هَوَازِن: (إني لَا أدرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمنْ لَمْ يأذَنْ، فَارجِعوا حَتى يَرفَعَ إِلَينَا عرفَاؤُكمْ أمْرَكمْ)، فَرَجَعَ الناسُ، فَكلمَهم عُرَفَاؤُهُم، فَرَجَعوا إِلَى رَسُولِ اللهِ فَأخبَرُوه أن الناسَ قَدْ طَيبوا وَأذِنوا (١).

وقد ترجَمَ البخاري على ذلك بقولِهِ: "بابُ العُرَفاءِ للناسِ" (٢).

والعُرفاء يُوجَدونَ في الناسِ اضطرارا، لا يَنتقيهِمُ الحاكمُ اختيارا كما يريدُ، لكل ناسِ يتشكلُ فيهم رؤوس، فيكونونَ وُجَهاءَ ونُقَباءَ فيهم، يَسُودُونَ لأمرِ متراكِم فيهم؛ إما بعِلم أو مال أو نَسَب أو حسبٍ، فيَفرِضونَ أنفسَهم بالقبولِ وَسطَ الناس، فيكونونَ رؤوسا كرأسِ الهرمِ يقوم على عدد كبير مِن الحَصَى، فلم يَرفعه فرد ولا أفراد؛ وإنما جماعة


(١) أخرجه البخاري (٧١٧٦) (٩/ ٧١).
(٢) "صحيح البخاري" (٩/ ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>