يكونوا علماءَ وفُقهاءَ في الدِّينِ؛ وإنَّما مَن كان رأسًا في قومِه أو رَضُوهُ، فهو نقيب وعَرِيفٌ، وبينَ أهلِ الشورى وأهلِ الحَل والعقدِ والنقَباءِ تداخُل، وبعضها أعَم مِن بعضٍ:
فأمَّا أهل الشُّورى: فليس كلُّ مَن استحَقَّ الشَّورَى يكون نقيبا وعَرِيفًا في قومِه؛ وإنما يستشارُ لعلمِهِ وعقلِهِ ولو كان مغمورا، وأهلُ الشورى يَتخِذهم الحاكمُ لنفسِهِ كما اتخَذَ النبي ﷺ، واتخَذَ خلفاؤه مِن بَعدِه، ويجب أن يتحرى الحاكمُ فيهم العِلمَ والتجردَ والعملَ والأمانةَ ليَنصَحُوا له، لا ليوافقوه ويرضوهُ فيما يقول، ويجب ألا يُفسِدَهم -بعدَما أدناهم- بالمالِ والعطاء، حتى تتشربَهُ قلوبهم؛ فيَتهيَّبُوا المخالَفةَ خوفَ فواتِ العَطيةِ والهِبة، فيَغُشُّوه؛ لأنَّه أفسَدَهمْ هو على نفسِه.
وأما النقَباء والعُرَفاء، فلا يَلزَمُ منهم أنْ يكونوا علماءَ وفقهاءَ؛ وإنما هم علماء بقومِهم وما يحِبونَ وَيكرهونَ؛ وفقهاء بأثرِ سياسةِ الحاكمِ عليهم، وأثرِهم على الحاكم، فيكونونَ نَصَحَة لقومِهم ولسُلطانهم.
والعُرَفاء والنقَباءُ يَختلِفونَ عن أهلِ الشورَى بأن النقباءَ يتخذهم أقوامُهمْ عنهم؛ كما كان النبي ﷺ يفعلُ؛ فقد روى أحمد في "المُسنَدِ" بسندٍ جيد؛ مِن حديثِ كعبِ بنِ مالكٍ، وكان ممن شهِد العَقَبةَ وكانوا سبعينَ رجلا وامرأتَين، فقال لهم النبي ﷺ لما بايَعهم:(أخرِجُوا إِلَيَّ منكُمُ اثْنَي عَشرَ نَقيبا يكُونُونَ عَلَى قومِهِمْ)، فأخرَجوا تسعة من الخَزرَج، وثلاثة من الأوسِ (١).
لأن الناسَ هم الأعلَم بالأصلحِ لهم، فما ذهَبَ إليه جمهورُهم ورَغبوا فيه عَرِيفا، فهو عَرِيف ولو كَرِهَهُ الحاكم لشخصِه؛ لأن المرادَ جمعُ كلمةِ قومِهِ وتأليفهم، لا تليِينُ قلبِ الحاكمِ وأُنسهُ به؛ فإن العُرَفاءَ