للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كانوا يتحافظونَ فيما بينَهم الأنفُسَ والأموالَ والأعراضَ، أعظَمَ مِن حفظِ الملوكِ والرؤساءِ والشُّرَطِ لرعاياهم؛ كملوكِ فارسَ والروم، والحبشةِ والسودانِ؛ حتى إنَّ مِن العربِ مَن يقلِّدُ أنعامَهُ قلائدَ الهَدْيِ لِيَعبُرَ مِن الشامِ ونَجْدٍ إلى اليمنِ؛ لِيَظُنَّ الناسُ أنَّها حرامٌ فتُترَكَ ويُترَكَ هو؛ فلا يُقصَدَ بشيءٍ.

وفد تقدَّمَ في أولِ سورةِ المائدةِ معنى القلائد، وشيءٌ مِن أحكامِها، وتقدَّمَ في سورةِ البقرةِ الكلامُ على الأشهُرِ الحُرُمِ وعدَدِها وتعظمِها وأحكامِها.

ومَن أقامَ أحكامَ الله، أَدْرَكَ عِلَلَها وآثارَها عليه، وعرَفَ قَدْرَ نِعْمةِ اللهِ على الناسِ؛ ولذا قال تعالى: {ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧)}، وإنَّما بفرَّطُ الناسُ في امتثالِ أحكامِ اللهِ؛ لغيابِ عِلَلِها ومنافِعِها ومَضَارَّ تَرْكِها عليهم، فيتساهَلُونَ دي ترْكِها فيقَعُ فيهم الفسادُ، ومَنِ امتثَلَها، أدرَكَ نعمةَ اللهِ عليه.

* * *

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١)} [المائدة: ١٠١].

نزَلَتْ هذه الآيةُ في سؤالِ الصحابةِ عمَّا لم يكلَّفُوا به، وقد جاء ذلك في أحاديثَ؛ منها مِن حديثِ عليٍّ (١) وابنِ عبَّاسٍ (٢)


(١) أخرجه أحمد (٩٠٥) (١/ ١١٣)، والترمذي (٨١٤) (٣/ ١٦٩)، وابن ماجه (٢٨٨٤) (٢/ ٩٦٣).
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>