للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلافًا لعطاءٍ! فقد جعَلَ على الأكلِ كفَّارةَ أخرى خاصَّةَ به، وفي ذلك نطرٌ؛ لمخالفتِهِ لظاهِرِ الآية، والشريعةُ علَّقَتِ الحُكمَ بالصيدِ عامِدًا وجاهِلًا، ولو كان الحُكمُ ينجرُّ على الآكِلِ كذلك، لَلَزِمَ أنَّ الكفَّارةَ تَلحَقُ الآكلَ الناسيَ مِن طعامٍ وحَدَهُ لا يَعلَمُ ما هو؛ وهذا يُخالِفُ الأصولَ.

وإذا صِيدَ الطعامُ مِن حلالٍ ولغيرِ المحرِم، فيجوزُ للمحرِمِ الأكلُ منه؛ لحديثِ أبي قتادةَ في "الصحيحَيْنِ"، لمَّا صادَ حمارَ وحشٍ وهو حلالٌ والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابُهُ حُرُمٌ، فأكَلُوا منه (١)؛ وبهذا أفتى عمرُ وأبو هريرةَ.

وأمَّا صيدُ الحلالِ للمحرِم، فيحرُمُ كما لو صادَهُ المحرِمُ لنفسِهِ أو طلَبَ صَيْدَهُ له! وذلك لما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ الصَّعْب بْنِ جَثَّامَةَ؛ أنه أَهْدَى للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَهُوَ بِالأَبْوَاء، أَو بِوَدَّانَ، فَرَدَّهُ عَلَيْه، فَلَمَّا رَأى مَا فِي وَجْهِه، قَالَ: "إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَا حُرُمٌ) (٢).

وفي الآيةِ بيَّنَ الغايةُ التي يَبْقَى فيها تحريمُ الصيد، وهي بانتهاءِ الإحرامِ؛ حتى لا يُظَن أنَّ التحريمَ يَبقى حتى يعودَ الإنسانُ إلى الموضعِ الذي أحرَمَ منه، فإنَّ المحرمَ يُحرِمُ مِن مِيقاتِهِ أو قبلَهُ، فيَحرُمُ عليه الصيدُ، ولكنْ ينتهي عليه بتحلُّلِهِ مِن إحرامِه وهو بمكةَ، فيَحِلُّ له الصيدُ، ويبقى تحريمُ البلدِ الحرام، فيجوزُ للحاجِّ والمعتمِرِ أنْ يَصِيدَ في طريقِ عودتِهِ إلى أهلِهِ ولو كان مِن دونِ المِيقاتِ.

* * *


(١) أخرجه البخاري (١٨٢١) (٣/ ١١)، ومسلم (١١٩٦) (٢/ ٨٥١).
(٢) أخرجه البخاري (١٨٢٥) (٣/ ١٣)، ومسلم (١١٩٣) (٢/ ٨٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>