للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأمرَين، أو اجتماعِ نصَّيْنِ عامَّيْنِ - قد تَمِيلُ إلى ترجيحِ دليل يُخالِفُ الصوابَ، ولا نَشُعُرُ بمَيْلِها؛ وهذا كان في هذه النازِلةِ مع جمهورِ الصحابة، وكان خطؤُهم مغفورًا، وفضلُهم محفوظًا.

وفي هذه الآيةِ: فضلُ أهلِ بَدْرٍ؛ بأنَّ اللهَ عذَرَهم لأنَّهم أخَذُوا بدليلٍ مِن الكتابِ سابقٍ، ولم يَتَّهِمْهُمُ اللهُ بالهَوَى والعَمْدِ بالمخالَفة، ولو كان الدليلُ السابقُ متمحِّضَ الوضوح، لم يُعاتبْهم اللهُ، وإنَّما كان غالبًا في وضوحِه في نفوسِهم عندَ قولِهم وفيه ميلٌ خفيٌّ للدُّنيا لم يُدرِكُوهُ، فنزَلَ العتابُ لهذا الميل، ودُفِعَ العذابُ بما غلَبَ عليهم مِن أخذٍ بالدليلِ.

وقد فسَّرَ بعضُ السلفِ قولَهُ تعالى: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾؛ يعني: ممَّا كتَبَهُ لأهلِ بَدْرٍ مِن المغفِرةِ والسعادةِ التي لا يَعْقُبُها عذابٌ وشقاءٌ، وبهذا فسَّرَهُ سعيدُ بن جُبَيْرِ وعطاءٌ والحسنُ ومجاهِدٌ (١).

ومنهم - كابنِ عبَّاسٍ والحسنِ (٢) -: مَن حمَلَ الكتابَ على أمِّ الكتاب، وأنَّ الغنائم لم تَحِلَّ قبلَ ذلك، فأخَذُوها قبلَ نزولِ حِلِّها، وفي الكتابِ سبَقَ أنها ستَحِلُّ لهم بعدَ ذلك؛ فلم يُعذِّبْهُمُ اللهُ لأجلِ ذلك.

ومنهم: مَن حمَلَ الكتابَ على أنَّ اللهَ لا يعذَّبُ أحدًا إلَّا بعدَ قيامِ الحُجَّةِ عليه، وأنَّه لا يُعاقِبُهُ حتى يبيِّنَ له ويَقدَّمَ إليه؛ قاله مجاهِدٌ (٣).

وفي هذه الآيةِ: أنَّ القوَّةَ المعنويَّةَ والهَيْبةَ في نفوسِ الكفارِ أعظَمُ نفعًا للمُسلِمينَ مِن القوَّةِ الماديَّة، فقد فادَى الصحابةُ كلَّ واحدٍ مِن أسرى بَدْرٍ بأربعةِ آلافِ دِرهم، ومع ذلك فَضَّلَ اللهُ لهم القتلَ والإثخانَ؛ لأنَّ فيه إضعافًا للكافِرِين، وهيبةً وقوةً للمؤمين.


(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٢٨٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٥).
(٢) "تفسير الطبري" (١١/ ٢٧٧)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٤).
(٣) "تفسير الطبري" (١١/ ٢٨١)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>