للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِه الشَّجَرَةِ) - شَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللهِ نزَلَ اللَّهُ ﷿ ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ [الأنفال: ٦٩]، فَأحَلَّ اللهُ الْغَنِيمَةَ لَهُمْ" (١).

والمرادُ بقوله تعالى: ﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا﴾؛ يعني: مَتاعَها وما يخرُجُ منها مِن منافعَ فتقدِّمونَهُ على أمرِ اللهِ وما يَتْبَعُهُ مِن نصيبِ الآخِرةِ؛ ولذا قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾، وقد فسَّرَ عرَضَ الدَّنيا بخَرَاجِها: عِكرِمةُ (٢) وغيرُهُ، وقال ابنُ إسحاقَ: هو الفِداءُ يأحُذُهُ الرجُلُ (٣).

والمرادُ بقولِه تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾: الإثخانُ في العدوِّ بقتلِه؛ حتى يظهَرَ الإسلامُ، وتَعْلُوَ رايتُه، ويَدِينَ الناسُ له، وقال محمدُ بن إسحاقَ في قولِهِ تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾: أي: بقتلِهم لظُهُورِ الذي يُريدونَ إطفاءَهُ الذي به تُدرَكُ الآخِرةُ (٤).

وقولُهُ تعالى: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ﴾؛ يعني بالكتابِ: ما أحَل اللهُ لهم به الغنائمَ مِن قبلُ؛ فاللهُ أَحَلَّ لهم العمومَ ولم يَستَثْنِ، وأمَرَ بنُصْرةِ الدِّينِ وإظهارِهِ والإثخانِ في العدوّ، فاجتمَعَ عمومانِ لدى الصحابة، فقدَّمُوا العمومَ في حِلِّ الغنيمة، فجعَلَ اللهُ ذلك عُذرًا لهم عن نزولِ عقابِهِ عليهم: ﴿لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨)﴾، والمرادُ بقولِه: ﴿أَخَذْتُمْ﴾؛ يعني: الأسْرَى، وفي هذا أنه إنِ اجتمَعَ نصَّانِ عامَّانِ في نازلة، عُذِرَ المُجتهِدُ عندَ اختيارِهِ واحدًا منهما، ولو بانَ خَطَؤُهُ بعدَ ذلك.

والنفوسُ مهما بلَغَت مِن الكمالِ والفضلِ والعِلْمِ عندَ احتمالِ النصِّ


(١) أخرجه مسلم (١٧٦٣).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٣).
(٣) "تفسير الطبري" (١/ ٢٧٣١)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٣).
(٤) "تفسير الطبري" (١/ ٢٧٣١)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٧٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>