وقد يكونُ الحاكمُ مسلِمًا، والمحكومونَ كفِّارًا؛ فيكونُ البلدُ بلدَ كفرٍ؛ كالحبَشةِ بعدَ إسلامِ النجاشيِّ؛ فهو مسِلمٌ، ومَحكُومُوهُ نَصارى.
ويخرُجُ مِن هذا إنْ حكَمَ حاكمٌ مسلِمٌ بلدًا أكثرُهُ كفَّار بحُكْمِ الله، وأَجْرَى للمُسلِمِينَ الظُّهُورَ، ولو كانوا أقلَّ مِن غيرِهم، فغلبَت شوكةً المسلِمِينَ شوكةَ الكافِرِينَ، وظهورُ المسلِمِينَ ظهورَ الكافِرِينَ، فيَحُلُّ الظهورُ هنا مَحَلَّ الكثرة، ويأخُذُ البلدُ حُكْمَ بلدِ الإِسلامِ.
وقد نصَّ عَلَى اعتبارِ الظهورِ والغلَبةِ غيرُ واحدٍ مِن الأصحابِ؛ كأبي يَعْلَى وابنِ مُفلِحٍ؛ فقد تكونُ بلدةٌ أو قريةٌ أهلُها عَلَى الكفر، وهي داخلةٌ في دولةِ المُسلِمِينَ، محكومةٌ بحُكمِهم، فلا تأخُذُ حُكمَ بلَدِ الكفرِ؛ كخَيبَرَ؛ فقد كان جلُّ أهلِها يهودَ، ولكنَّها تحتَ حُكْم المُسلِمينَ ودولتِهم، وخَرَاجُها لهم، وقد جَعَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عليها عُمَّالَهُ، فلم يكُنْ يسكُنُها الصحابةُ كما يسكُنونَ المدينةَ، وإنَّما يُعامِلونَ أهلَها ويُبايِعُونَهم، ولو أقام فيها أحدٌ، لم يكُن مقيمًا في بلدِ كفرٍ، وإنَّما جاوَرَ كافِرِينَ؛ لأنَّ الأرضَ للمُسلِمينَ، وحُكمَهم عليها نافذٌ وظاهرٌ؛ كظُهُورِ الكثرةِ عَلَى القِلَّة، وخَرَاجَها لهم، فالنبيُّ حينَما أخرَجَهم منها، لم يُعْطِهم قيمةَ