للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّعَمِ؛ فيقسَّمُ في مكَّةَ على فقراءِ الحَرَمِ وذوي الحاجةِ منها، أم يُتصدَّقُ به في أيِّ موضعٍ؟ :

قال بالأولِ: عطاءٌ وطاوسٌ والشافعيُّ ومالكٌ في قولٍ.

وبالثاني: النخَعيُّ.

وقال أبو حنيفةَ قولًا ثالثًا؛ وهو أنَّ الإطعامَ يكونُ بمحلِّ الإصابة، وهذا قولٌ لمالكٍ آخَرُ.

والأظهَرُ التيسيرُ؛ لأنَّ اللهَ خَصَّ المكانَ في الهَدْيِ، ولو كان الإطعامُ يجبُ كالهَدْي، لَتَأخَّرَ بيانُ المكانِ إلى ما بعدَ الإطعام، ولو قيل: إنَّ الإطعامَ يكونُ كالهَدْي، لَلَزِمَ أنْ يكونَ ذلك في الصيام؛ لأنَّها كلَّها كفَّاراتٌ، فيجبُ الصومُ في الحَرَم، وفي هذا حَرَجٌ شديدٌ.

وأمَّا قولُهُ: {عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا}، فيعني: ما يُعادِلُ ذلك المقدارَ مِن الطعام، وقد قدَّرَهُ جماعةٌ مِن الصحابةِ بأنَّ كلَّ نِصْفِ صاعٍ يُعادِلُ صيامَ يومٍ؛ صحَّ هذا عن ابنِ عبَّاسٍ ومجاهدٍ، ولأنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد جعَلَ الكفَّارةَ على كَعْبِ بنِ عُجْرَةَ: أنْ يُطعِمَ ستةَ مساكينَ؛ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ، أو أنْ يصومَ ثلاثةَ أيامٍ؛ والحديثُ في "الصحيحَيْنِ" (١).

ولا زمانَ محدودًا للصيامِ؛ فيصومُ حيثُ شاء ومتى شاء؛ في طريقِه، أو في مكةَ، أو في بلدِه إذا رجَعَ إليها، ولذا قال عطاءٌ: "الصِّيَامُ حيثُ شاء" (٢).

وقولُه تعالى: {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ}؛ يعني: عقوبتَهُ؛ فوَبَالُ الشيءِ: بلاؤُه وعقوبتُهُ ونقمتُهُ على صاحِبه.


(١) أخرجه البخاري (١٨١٤) (٣/ ١٠)، ومسلم (١٢٠١) (٢/ ٨٦٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٨/ ٧٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>