للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أخذِ الميثاقِ سِرًّا؛ وهو قولُ ابنِ عبَّاسٍ ومجاهِدٍ وابنِ جُبَيْرٍ وعِكْرِمةَ (١).

وهو قولُ مالكٍ والشَّعْبيِّ.

والنهيُ عنِ الإسرارِ بذلك لا يعني جوازَها علانيةً، وذكَرَ الإسرارَ؛ لأنَّ غالبَ مَن يقصِدُ مِثْلَها في عِدَّتِها يُسِرُّ لها؛ لأنَّ التصريحَ يُنهَى عنه سِرًّا وعلانيةً، فخَصَّ النهيَ بالسِّرِّ لِغَلَبةِ وقوعِهِ، فالناسُ لا تجرُؤُ على الخِطْبةِ علانيةً، فقولُهُ: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ﴾ دليلٌ على النهيِ عن التصريحِ بكلِّ حالٍ؛ ما دامَتْ في العِدَّةِ.

وقد أجاز داودُ التصريحَ علانيةً؛ لظاهرِ الآيةِ، وخالَفَهُ ابنُ حزمٍ، فنَهَى عنه مطلَقًا.

وقد حمَلَ بعضُ المفسِّرينَ المواعَدةَ سرًّا في الآيةِ على الزِّنَى وكلِّ سوءٍ يَسبِقُهُ مِن خَلْوةٍ ورؤيةٍ ومَسٍّ؛ قاله قتادةُ والحسَنُ والنَّخَعيُّ (٢)، ورجَّحَهُ ابنُ جريرٍ (٣).

وتفسيرُ ابنِ عبَّاسٍ وأهلِ المدينةِ ومكَّةَ لمعناهُ: أَوْلى مِن تأويلِ أهلِ العراقِ.

والاستثناءُ في قوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ مِن التعريضِ العَلَنِيِّ الذي لا يُسْتَحْيَا منه، وهو ما رخَّصَ اللهُ فيه.

ومَن حمَلَ المواعَدةَ سِرًّا على الزنى أو أخذِ الميثاقِ بالزواجِ جعَلَ الاستثناءَ منقطِعًا؛ لأنَّ الإسرارَ بأخذِ ميثاقِ الزَّوْجةِ للزَّوَاجِ مِنها أو الزِّنَى بها: محرَّمٌ ولو كان علانيةً، فلا يسمَّى معروفًا حتَّى يُستثنَى منه معروفٌ جِهَارًا.

ومَن خطَبَ امرأةً في عِدَّتِها، وعقَدَ عليها بعدَ خروجِها مِن العِدَّةِ،


(١) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٧٥ - ٢٧٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٧٢ - ٢٧٥).
(٣) "تفسير الطبري" (٤/ ٢٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>