النفوسَ مجبولةٌ على حُبِّ مَنْ أحسَنَ إليها، وسليمانُ لم يَرُدَّ هديَّةَ مَلِكةِ سبإٍ إلَّا لأنَّها جاءتْ بعدَ كتابِهِ إليها بالدخولِ في الإسلامِ.
ومَنْ كان قائمًا بأمرِ اللَّهِ، منابِذًا للكفرِ، رافعًا رايةَ الإصلاحِ: لا يجوزُ له قَبولُ هدايا المُعانِدينَ؛ خشيةَ كَسْرِ نفسِه وسكونِها.
ونظرُ العالمِ إلى حالِ المُهْدِي عندَ بَذْلِ الهديَّةِ واجبٌ؛ فإنَّ أحوالَ المُهدِينَ تَنطوِي تحتَها مَقاصدُهم، ومَقَامُ العالِمِ ليس كمَقَامِ غيرِه؛ فمِن الناسِ مَن يبذُلُ الهديَّةَ حبًّا في الإسلامِ وأهلِه، ومنهم مَن ببذُلُها كُرْهًا لهم فيَراهم شرًّا لا يُدفَعُ إلَّا بالمالِ، وإهداءُ المالِ ليس عَلَامةً على المودَّةِ في كلِّ حالٍ.
وقد يُبذَلُ المالُ وتُهدَى الهديَّةُ ويَقصِدُ به قابلُها تأليفًا لقلبِ المُهدِي، لا رغبةً في الدُّنيا؛ كما قَبِلَ النبيُّ ﷺ هدايا الملوكِ كالمُقَوْقِسِ وغيرِه.
وقد تقدَّمَ الكلامُ على أخذِ الأَجْرِ على نشرِ الخيرِ وقَبُولِ الهدايا والعطايا عليه، عندَ قولِهِ تعالى: ﴿وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ [هود: ٢٩].