الحالةُ الأولى: كافرٌ ينطِقُ الشهادتَين قبلَ قتالِهِ! كالطوائفِ التي تَزعُمُ الإسلامَ وليسَت مسلمةً، كما تزعُمُ قريشٌ الحنيفيَّةَ وليسَت حنيفيةً؛ وذلك كالطوائفِ الباطنيةِ منِ رافضيَّةٍ ونُصَيْرِيَةٍ؛ فهؤلاءِ ينطِقُونَ الشهادتَيْنِ مِن قبلِ قتالِهم، لكن قتالَهم إنما كان لأجلِ معنى الشهادتين وكُفرِهم به، لا لأجلِ ألفاظِها؛ فلا يَعصِمهم إلا ما يدُلُّ على إقرارِهم بمعناها من قولٍ أو فعلٍ.
الحالة الثانيةُ: كافرٌ لا يَنطِقُ الشهادتين، وهو كافرٌ بها، ولا يتدينُ بلفظِها ولا معناها؛ كالمشرِكِينَ الوثنيين واليهود والنصَارى؛ فهؤلاءِ تَعصِمُهم كلمةُ التوحيدِ إنْ قالوها عندَ التقائِهم وقتالِهم لأجلِها.
وفي حُكْمِ الشهادتَينِ: كل لفظٍ دلَّ على معناها لِمَن عجَزَ عنِ النطقِ بها لعُجمَتهِ أو لجهلِهِ بها، بل يدخُل في معناها كل لفظٍ دلَّ عندَ الكافرِ عليها، ولو لم يكُن دالًّا عليها عندَ المُسلِمينَ؛ كقولِ الكافرِ:"صَبأْتُ" أو "صَبَأنا"، وهذه اللفظةُ ولو لم تكُن دالَّةً على الإسلامِ بذاتِها، بل ليسَتْ لفظَ مدحٍ؛ وإنَّما يتَّخذُها المشرِكونَ ذمًّا لِمَن دخَلَ الإسلامَ منهم، يقولونَ له:"فلانٌ صَبَأ"، فتأخُذ حُكْمَ قائلِها على ما يُريدُه، معَ أنَّه لو قالَها مسلمٌ في وسطِ المسلِمينَ لرجلٍ دخَلَ الإسلامَ وهو يعلَمُ مَعناها، لَأُدِّبَ على ذلكَ.
وأصلُ قولِهم:"صَبَأ" عندَ العربِ: الخروج مِن دينِ إلى باطلٍ، ولكنَّهم يَستعمِلونَهُ لِمَن خرَجَ مِن دِينهمُ الذي يزعُمونَهُ حقًّا إلى غيرِهِ الذي يزعُمونَهُ باطلًا، فلا يُسَمُّونَ مَن رجَعَ إليِهم مُرتدًا عن الإسلامِ: صابئًا.
ولما قال جميلُ بنُ مَعمَرٍ الجُمَحِيُّ لقريشٌ في مكةَ:"يا مَعشَرَ قريشٍ، ألَا إن ابنَ الخَطَّابِ قد صَبَأ"، قال عمرُ: كذبَ، ولكنِّي