للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخرى، وليس استدبارُهُ لعدوِّه هروبًا منه، ولكنِ التفافًا عليه مِن جهةٍ هي أشَدُّ إثحانًا للعدوّ، وأكثرُ أمانًا للمؤمنِ.

ومِن ذلك الذي يُبدِي للعدوِّ الفِرارَ لِيَستدرِجَهُ إلى كَمِينٍ ليُثخِنَ فيه، ويُصيبَ مه ما لا يُصِيبُهُ منه عندَ اللِّقاء، نصَّ على هذا سعيدُ بن جُبَيرٍ وغيرُه (١).

الئانيهُ: أنْ يكونوا مُتحيِّزينَ؛ كما في قولهِ: ﴿أَو مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ﴾، والمتحيِّزُ المُنحازُ إلى جماعةٍ أخرى مِن المؤمنينَ يَستكثِرُ بها على العدوّ، ويجوزُ التحيُّزُ إلى فئةٍ أخرى ولو كانتْ بعيدةً؛ كما فسَّرَ ذلك عمرُ بن الخطَّابِ في الآيةِ لمَّا قُتِلَ أبو عُبَيْدٍ في أرضِ فارسَ وعمرُ في المدينةِ؛ فقد روى أبو عثمانَ النَّهْدِيُّ، عن عمرَ؛ قال: لمَّا قُتِلَ أبو عُبيدٍ، قال عمرُ: "أيُّها الناسُ، أنا فِئَتُكم" (٢).

وقال عبدُ المَلِكِ بن عُمَيْرٍ: قال عمرُ: "أيُّها الناسُ، لا تَغُرَّنَّكُمْ هذه الآيةُ؛ فإنَّما كانتْ يومَ بدرٍ، وأنا فئةٌ لكلِّ مسلمٍ" (٣).

وليس للمؤمنينَ أنْ يَبْقَوْا في مُقابِلِ عدوٍّ لا قِبَلَ لهم به حتى يَسْتَأْصِلَهُمْ جميعًا، ولا يكونُ منهم عليه أثرٌ أو بأسٌ، ويُروى عن النَّخَعيِّ؛ قال: "بَلَغَ عُمَرَ أن قَوْمًا صَبَرُوا بِأذرَبِيجَانَ حَتَّى قُتِلُوا، فَقَالَ عُمَرُ: لَو انحَازُوا إِلَيَّ، لَكُنْتُ لَهُمْ فِئَةً" (٤).

وفي "الصحيحَيْن"، عن البَرَاء، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ: أَكُنْتُمْ فَرَزتُمْ يَا أَبَا عُمَارَةَ يَوْمَ حُنَينِ؟ قَالَ: لَا وَالله، مَا وَلَّى رَسُولُ اللهِ ، وَلَكِنَّهُ خَرَجَ شبَّانُ أصْحَابِهِ وَأَخِفَاؤُهُمْ حُسَّرًا لَيْس بِسِلَاحٍ، فَأَتَوا قَوْمًا رُمَاةً؛


(١) "تفسير ابن كثير" (٤/ ٢٧).
(٢) "تفسير الطبري" (١١/ ٨٠).
(٣) "تفسير ابن أبي حاتم " (٥/ ١٦٧١).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٣٦٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>