للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَمْعَ هَوَازِنَ وَبَنِي نَصْرٍ، مَا يَكَادُ يَسْقُطُ لَهُمْ سَهْمٌ، فَرَشقُوهُمْ رَشْقًا مَا يَكَادُونَ يُخطِئُونَ، فَأقبَلُوا هُنَالِكَ إِلَى النَّبِيِّ -وَهُوَ عَلَى بَغلَتِهِ البَيْضَاء، وَابْنُ عَمِّهِ أَبُو سُفيَانَ بْنُ الحَارِثِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَقُودُ بِه، فَنَزَلَ وَاسْتَنصَرَ، ثُمَّ قَالَ: (أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ، أَنَا ابْنُ عَبْدِ الَمُطلِبْ)، ثُمَّ صَفَّ أصْحَابَهُ (١).

ولا يجوزُ تحيُّزُ جماعةٍ إلى فئةٍ يَترُكونَ جماعةً أخرى يَنفرِدُ بهم العدوُّ فيَقتُلُهم، ولو بَقُوا معهم لَثَبَّتُوهُم وقَوُوا على العدوِّ، إلَّا عندَ عجزِ الجماعتَيْن، فيجوزُ تحيُّزُ إحداهُما إلى فئةٍ مسلمةٍ أُخرى.

وإنْ قدَرُوا بأنفُسِهم والْتَقَوْا بالمشرِكينَ، كان الأَولى لهم عدمَ التحيُّزِ لفئةٍ بعيدةٍ عنهم، وقد كان عمرُ يزجُرُ مَن كانتْ حالُهُ كذلك؛ كما رَوَى عبدُ الرحمنِ بن أبي لَيلى: "أَنَّ رَجُلَين فَرَّا يَوْمَ مَسْكَنٍ مِنْ مَغْزَى الْكُوفَة، فَأَتَيَا عُمَرَ، فَعَيَّرَهُمَا وَأخَذَهُمَا بِلِسَانِهِ أَخْذًا شَدِيدًا، وَقَالَ: فَرَرْتُمَا؟ ! وَأرَادَ أن يَصْرِفَهُمَا إِلى مَغْزَى الْبَصْرَة، فَقَالَا: يَا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، لَا، بَل رُدَّنَا إلَى المَغْزَى الَّذِي فَرَزنَا مِنْهُ؛ حَتَّى تَكونَ تَوْبَتُنَا مِنْ قِبَلِهِ"؛ رواهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ (٢)، وفي سماعِ ابنِ أبي لَيْلَى مِن عمرَ خلافٌ، ولكنَّه يَروي عن طبقةِ عاليةٍ عنه.

وتقديرُ القُدْرةِ على الكافرِ يَرجِعُ إلى المُجاهِدِ واجتهادِهِ تجرُّدًا، لا عن هَوَى وأثَرَةٍ؛ وبهذا فال غيرُ واحدٍ مِن العلماءِ؛ كالحاكمِ وغيرِه.

واختلَفَ العلماءُ في الفئتَيْنِ: المُنحازةِ والمُنحازِ إليها: أيَعُودُونَ إلى لقاءِ الكفارِ أم لا؟ على قولَيْنِ.


(١) أخرجه البخاري (٢٩٣٠)، ومسلم (١٧٧٦).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٣٦٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>