للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالةُ الأُولى: طاعة المأمورِ لأجلِ الَامِرِ والمأمورِ به؛ وهذه لا تكونُ إلَّا للحاكِمِ المسلِمِ صحيحِ البيعة، فيُتديَّنُ بطاعتِهِ بما أمَرَ اللهُ به بعدَ التدينِ بطاعةِ اللهِ؛ كأمرِ الأميرِ بالنفيرِ للجهادِ والصدقةِ؛ فاللهُ أمَرَ بالجهادِ والصدقة، وأمرَ بطاعةِ الأمير، والمُمتثلُ يُؤجَرُ عليهما جميعًا.

الحالة الثانيةُ: طاعةُ المأمورِ لأجلِ الآمِرِ لا المأمورِ به؛ وذلك للحاكِمِ المسلِمِ صحيحِ البيعةِ بيعةً عامةً أو خاصَّةً؛ حينَما يأمُرُ بالمباحِ الذي لا يدُلُّ الدليل على الحَثِّ عليه، أو مكروه لا يحرُمُ لمصلحةِ اجتماعِ الناسِ عليه؛ فيطاعُ ويؤجَرُ الطائعُ على طاعِته للآمِرِ واحتسابِهِ في ذلك، لا على ذاتِ الفِعلِ المباحِ أو المكروه؛ لأنَّه لو فعَلَ المباحَ أو المكروهَ مجرَّدًا، لم يُؤجَرْ عليه، بل لو تعبَّدَ به وليس بعبادةٍ، ابتدَع.

ويُؤجَرُ الفردُ الذي يفعل المباحَ أو المكروهَ بلا أمرٍ لِذَات العلةِ، ولو لم يُؤمَرْ بذلك؛ كأنْ يرى مصلحةَ النَّاسِ ورَفْعَ الحَرَجِ عنهم بفعلِه، فيُؤجَرُ على قصدِهِ وثمرةِ عملِه، لا لِذَات فِعلِه.

الحالة الثالثةُ: طاعةُ المأمورِ لأجلِ المأمورِ به لا لأجلِ الآمِرِ؛ وهذا يكونُ للسلطانِ الكافرِ ولو لم تَصِحَّ بيعته، ولا يجوزُ أن يُتعبَّدَ بطاعةِ الحاكم غيرِ المسلِمِ ويُتديَّنَ بها، ويُطاعُ لأجلِ المأمورِ به الذي تظهَرُ مصلحةُ الناسِ فيه؛ كالمصالِحِ العامةِ في البلدياتِ وتنظيمِ الطرُقِ والوظائفِ والحقوق، ما لم تُخالِف حُكمَ اللهِ ونبيِّه - صلى الله عليه وسلم -، وإذا أمَرَ الحاكم غيرُ المسلِم بشيءٍ لا تظهَرُ فيه مصلحةُ الناس، لم تجب طاعته، وجازَت مخالفتُهُ؛ لأنَّ طاعتَهُ ليست بِدِينٍ، ولا يجوزُ التديُّنُ بطاعتهِ ولو أمَرَ بطاعةِ اللهِ؛ وإنما يُتدينُ للهِ وحدهُ بما أمَرَ به سبحانه.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>