كانوا يَزُورُونَ القبورَ ويَستحضِرونَ أهلَها وفَضْلَهُمْ وسَبْقَهم وحاجتَهم وفرَحَهُمْ بالعملِ الصالح، ومع ذلك لم يثبُتْ عن واحدِ منهم أنه صلَّى أو قرَأَ أو سبَّحَ لميِّتٍ منهم.
وقد جاء في الأحاديثِ والآثارِ عنهم: الدعاءُ للميِّت، ولم يَرِدْ إهداءُ ثوابِ الأعمال، مع قيامِ داعِيهِ ومُوجبِهِ وحضورِ الحاجةِ إليه، وكار السلفُ يَذكُرونَ حَسْرةَ أهلِ القبورِ على فَوَاتِ الأعمال، وحاجتَهُمْ إلى ركَعاتٍ وتسبيحاتٍ، ومع ذلك لم يَحمِلْهُمْ وَجْدُهُمْ على مَوْتاهُم على إهداءِ صلاةٍ أو قراءةٍ لهم، ولم يَفْعَلْهُ الأبناءُ بآبائِهم وهم أعظَمُ القرونِ بِرًّا بهم.
أثرُ ذنبِ الوالدْين على الوَلَدِ:
وفي قولِه تعالى: ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا﴾ دليلٌ على أنَّ جَرِيرَةَ الوالدِ لا تنتقِلُ إلى الولد، وأمَّا ما استفاضَ في الآثارِ؛ بأنَّ جزاءَ البِرِّ وعقابَ العقوقِ دَيْنٌ ناجِزٌ في الأولاد، فليس المرادُ أنَّ اللهَ يَجعلُ إثمَ عقوقِ الوالدِ لأبيهِ على ابنِه، بل إنَّ الوَلَدَ لا يأخُذُ جريرةَ العقوقِ حتى يَعُقَّ هو بنفسِهِ أباه، لا بمجرَّدِ عقوقِ أبيهِ لجَدِّه، ولو مات قبلَ ذلك أو كان بارًّا، لم يَلحَقْهُ شيءٌ.
ومِثلُ ذلك: ما جاء في عِفَّةِ الأمِّ وأثرِ ذلك على وَلَدِها؛ كما في قولِهِ تعالى عن عفافِ مريمَ وقولِ قَوْمِها لها: ﴿مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ [مريم: ٢٨]، فليس المرادُ له أنَّ البنتَ تكونُ بَغِيًّا بمجرَّدِ زِنى أُمِّها؛ وإنَّما المرادُ أنَّ الأمَّ تُربِّي بنتَها على مِثْلِ ما هي عليه، وتَرَاها بنتُها وتَصنَعُ مِثْلَها، والعفيفةُ تُربِّي عفيفةً مِثلَها؛ وليس هذا انتقالًا للأوزارِ.