للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تكونُ المرأةُ بغيًّا وليس لها ابنٌ ولا بنتٌ، وقد يكونُ لها بنتٌ عفيفةٌ، وقد يكونُ في الأمِّ العفيفةِ بنتٌ عَكْسُها؛ فإنَّ الزِّنى لم يكنْ في ذُرِّيَّةِ آدَمَ وحَوَّاءَ الأُولى؛ وإنَّما كان في ذراريَّ جاءتْ بعدَ ذلك بِزَمَنٍ، فلم تُسبَقْ كلُّ زانيةٍ بأمِّ مِثْلِها، فالأصلُ في بني آدَمَ العفافُ.

وأمَّا ما يُروى في الحديثِ: (عِفُّوا تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ)، فرواهُ الحاكمُ؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ وجابرٍ (١)، وجاء عندَ الطبرانيِّ بنحوِه من حديثِ ابنِ عمرَ وعائشةَ (٢)، وعندَ الخرائطيِّ عن ابنِ عبَّاسٍ (٣)، وفي بعضِها زيادةٌ: "بَرُّوا آباءَكُمْ، تَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ"، ولا يصحُّ منها شيءٌ.

وقد يكونُ العقوقُ في الأولادِ عقوبةً لعقوقِ الآباءِ لآبائِهم، بأنْ يكونَ في الأولادِ أسبابٌ تُوجِبُ عقوقَهُمْ لآبائِهِمْ قامتْ فيهم كما قامتْ في آبائِهِمْ مع أجدادِهم، وكلٌّ محاسَبٌ مكلَّفٌ؛ الأحفادُ والآباءُ وقد يتوبُ الوالِدُ مِن عقوقِهِ لأبيهِ فلا يَعُقُّهُ ولدُه، وقد لا يكونُ عاقًّا وقد يكونُ عاقًّا ويتوبُ ثم يَعُقُّهُ ولدُهُ! ابتِلاءً مِن الله، لا عقوبةً، وقد وُجِدَ مِن ذريَّةِ البارِّينَ أولادٌ عاقُّونَ، والعكسُ كذلك، وقد لا يكونُ للعاقِّ ذريَّةٌ ولا زوجٌ أصلًا، فلا تُعجَّلُ عقوبتُهُ مِن ولدِه.

وإنَّما ذكَرَ اللهُ أمرًا يقعُ ويكثُرُ، وهو الجزاءُ العاجلُ بمِثْلِ ما وقَعَ منه، وليس ذلك بلازِمٍ لكلِّ أحدٍ؛ ولهذا لم تَثبُتْ بصراحتِهِ النصوصُ، وإنَّما جاء على سبيلِ الإجمالِ تعجيلُ العقوبةِ بقطيعةِ الرَّحِمِ والعقوقِ.

وقد يُعاقِبُ اللهُ الوالِدَ بعقوقِ ولدِهِ له؛ لأنَّ الوالِدَ كان عاقًّا لأبيه، ثم يرزُقُ اللهُ الحفيدَ التوبةَ، فأَجْرَى اللهُ على يدِ الوَلَدِ عقوبةً لوالدِه، ثم


(١) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٤/ ١٥٤).
(٢) أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (١٠٠٢) و (٦٢٩٥).
(٣) "اعتلال القلوب" للخرائطي (١/ ٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>