للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المظالِمُ عن الناسِ إلا بدفعِ المالِ لذوي الجاهِ؛ فيَعُمَّ الفسادُ، وتنتشِرَ الرِّشْوةُ، أو تتعطَّلَ الحقوقُ؛ حتى يبلُغَ الأمرُ بأنْ تُنزَلَ المظالِمُ، وتُقطَعَ السُّبُلُ، وتُؤخَذَ الحقوقُ ولا تُعادَ إلا بالمالِ؛ فيُروى في "المسندِ"، وعندَ أبي داودَ؛ مِن حديثِ القاسِم، عن أبي أُمَامَةَ؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: (مَنْ شَفَعَ لِأَحَدٍ شَفَاعَةً، فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً فَقبِلَهَا، فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنَ الرِّبَا) (١).

تفرَّدَ به القاسمُ بنُ عبدِ الرحمنِ صاحبُ أبي أُمامةَ، عن أبي أمامةَ، ولا يُعرَفُ إلا مِن طريقِه، وقد رواهُ عبيدُ اللهِ بنُ أبي جعفر، عن خالدِ بنِ أبي عِمرانَ، عن القاسِم، به.

وقال أحمدُ في عُبَيْدِ اللهِ مرةً: ضعيفٌ، وفي أُخرى قال: لا بأسَ به (٢).

ولكنَّ فتوى الصحابةِ عليه؛ فقد صحَّ عن ابنِ مسعودٍ وأبي مسعودٍ وغيرِهما، روى أبو الضُّحَا؛ "أنَّ مسروقًا شفَعَ لرجلٍ بشفاعةٍ، فأَهْدَى له جاريةً، فغَضِبَ، وقال: لو عَلِمْتُ أنَّ هذا في نَفْسِكَ ما تَكَلَّمْتُ فيها، ولا أتكلَّمُ فيما بَقِيَ منها أبدًا! سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ مسعودٍ يقولُ: مَنْ شَفَعَ شَفَاعَةً لِيَرُدَّ بِهَا حَقًّا، أَوْ يَرْفَعَ بِهَا ظُلْمًا، فَأُهْدِيَ لَهُ فَقَبِلَ، فَهُوَ سُحْتٌ، قالوا: ما كنَّا نرَى السُّحْتَ إلا الأخذَ على الحُكْمِ! قال: الأَخْذُ عَلَى الحُكْمِ كُفْرٌ"؛ رواهُ الطبريُّ وغيرُه (٣).

ومَن اشترَطَ مالًا على شفاعتِه، استعجَلَ أجْرَهُ في دُنْياهُ مع إثمِهِ على ما أخَذَ؛ فروى ابنُ سِيرِينَ؛ قال: "جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى أَهْلِهِ فَإذَا هَدِيَّةٌ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: الَّذِي شَفَعْتَ لَهُ، فَقَالَ: أَخْرِجُوهَا، أَتَعَجَّلُ أَجْرَ شَفَاعَتِي فِي الدُّنْيَا؟ ! "؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي شَيْبةَ (٤).


(١) أخرجه أحمد (٢٢٢٥١) (٥/ ٢٦١)، وأبو داود (٣٥٤١) (٣/ ٢٩١).
(٢) "ميزان الاعتدال" (٣/ ٤).
(٣) "تفسير الطبري" (٨/ ٤٣٢).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٠٨٦٧) (٤/ ٣٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>