للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المساجدِ بِعَيْنِها بلا صلاةٍ؛ وبهذا القولِ قال عليٌّ وابنُ عبَّاسٍ وسعيدُ بنُ جُبيرٍ والحسنُ وقتادةُ ومجاهدٌ، وهذا هو القولُ الأولُ.

والقولُ الثاني: أنَّ المرادَ بالقُرْبِ: مواضِعُها؛ وهو قولُ ابنِ عبَّاسٍ في روايةٍ عنه، وابنِ مسعودٍ وابنِ المسيَّبِ وعطاءٍ وعمرِو بنِ دِينارٍ وعِكْرِمةَ والزُّهْريِّ.

والقولُ الأولُ لا يُنافي الثانيَ، ولا الثاني يُنافي الأولَ، لأنَّ مَن منَعَ مِن دخولِ المساجدِ لا يُجيزُ دخولَ الصلاةِ للسَّكْرانِ ولو في البَرِّيَّة، ومَن قال بأنَّ المرادَ دخولُ الصلاةِ لا يَلزَمُ مِن قولِهِ حصرُ الحُكْمِ فيه؛ وإنَّما قصَدَ أنَّ المساجدَ عُظِّمَتْ لأجلِ الصلاةِ والعِبادة، ولولاها ما كانتْ مُعظَّمةً، فذكَرُوا غايةَ الحُكْمِ وترَكُوا بدايتَهُ، وتركُهُمْ للبدايةِ لا يعني خروجَها عن الحُكْمِ، ولكنْ يعني أنَّ دخولَ الصلاةِ مِن السَّكْرانِ ولو في الفضاءِ أعظَمُ عندَ اللهِ مِن دخولِهِ المسجدَ بلا صلاةٍ، ويُؤكِّدُ هذا: أنَّ اللهَ رخَّصَ في دخولِ المسجدِ عُبُورًا، ولم يُرخِّصْ في شيءٍ مِن دخولِ الصلاةِ بأيِّ حالٍ للسَّكْرانِ والجُنُبِ إلَّا مع الوضوءِ والتيمُّمِ للجُنُبِ خاصَّةً، ومِن قرائنِ هذا: أنَّه جاء عن ابن عبَّاسٍ روايتان، وأصحابُهُ منهم مَن ذكَرَ المعنى الأولَ كسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ ومجاهدٍ، ومنهم مَن ذكَرَ المعنى الثانيَ كعطاءٍ وعِكْرِمةَ.

ومِثلُ هذا كثيرًا ما يقعُ في قولِ ابنِ عبَّاسٍ وَيعُدُّهُ بعضُ الفُقَهاءِ قولَيْنِ عنه.

وليس في حَمْلِ الآيةِ على قُرْبِ المسجدِ صرفٌ لها عن ظاهرِها، بل حملٌ لها على ظاهرِها؛ لقرائنَ؛ منها: أنَّ الله نَهَى عن القُرْبِ: ﴿لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ﴾؛ كالنهيِ عن قُرْبِ الخمرِ والمَيْسِرِ: تحريمٌ لاقتنائِها والجلوسِ في موضعٍ تُستعمَلُ هي فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>