بجهلِه، ولا ينتفِعُ الناسُ بأمانتِه، وقد يكونُ الرجُلُ عالمًا عارفًا بما تولَّاه صاحِبَ خِبْرةٍ به، ولكنَّه ضعيفُ الأمانةِ والدِّيانة، فيَسرِقُ ويَخُونُ ويأخُذُ الرِّشْوةَ في عملِه، فلم ينتفعِ الناسُ بعِلْمِهِ وخِبْرتِه.
وتجبُ المُوازَنةُ بينَ تحصيلِ القوةِ والأمانةِ في صاحِبِ الولاية، وهذا لا بدَّ معه مِن النظرِ إلى نوعِ الولايةِ:
فمِن الولاياتِ ما تحتاجُ إلى تغليب الأمانةِ على القوةِ عندَ فَقدِ الجمعِ بينَ كمالِ الاثنتَيْن، كولايةِ المالِ؛ فلن ينتفعَ بيتُ المالِ ووِزَاراتُ المالِ مِن خبيرِ بالاقتصادِ والحسابِ دقيقِ به إنْ كان ضعيفَ الأمانةِ؛ فيَسرِقُ ويختلِسُ ويَرتشِي؛ فقد يقعُ منه مِن ضياعِ الأموالِ ما لو تولَّى مَن هو أقلُّ منه خِبْرة لَصَلَحَ الحالُ.
ومِن الولاياتِ: ما ينبغي تغليبُ القوةِ البدنيَّةِ والعقليَّةِ على الأمانةِ إن لم يُمكِن الجمعُ بينَ الاثنتَيْنِ؛ وذلك في القتالِ وجهادِ العدوِّ؛ فإنَّه يحتاحُ إلى الخِبْرةِ العسكريَّةِ أكثَرَ مِن الأمانةِ التي يُحتاجُ إليها في الأموالِ والأعراضِ أكثَرَ.
وكثيرًا ما يُلتفَتُ اليومَ إلى العِلْمِ والخِبْرة، ويُنظَرُ في الشهادات، وتُوَلَّى الولاياتُ لأجلِ ذلك، ويُغفَلُ جانبُ الأمانةِ؛ حتى أصبَحَ في أكثرِ الدولِ لا اعتبارَ له، ولا يُفرَّقُ لينَ ما يجبُ أن تُغلَّبَ فيه الأمانةُ، وما يجبُ أن يُغلَّبَ فيه العِلْمُ، وتغليب أحدِ الوصفَينِ لا يَعني جوازَ انعدامِ الوصفِ الآخَر، ولكنْ يُقبَلُ ضَعْفهُ وقِلَّتُه.
وإذا خرَجَ الحاكمُ في الولايةِ عن هذَيْنِ الوصفَين، واختارَ مَن يهواهُ لمحبَّةٍ وقَرَابةٍ وصداقةٍ، ضاعَ مِن أمرِ الأمَّةِ بمِقدارِ ما فاتَ مِن هذَيْنِ الوصفَين؛ فقد روى البيهقيُّ؛ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا: (مَنِ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا مِنَ المُسْلِمِينَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُ وَأَعْلَمَ