للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٠].

فيه جوازُ الظلُّم، وقد يُستَحَبُّ؛ بل ويجبُ إنْ تعلَّقَ بأمرٍ عظيمٍ يتَّصلُ بدِينِ الشخصِ ويحُولُ بينَهُ وبينَ الحقِّ الذي يُوصلُهُ إلى الناس، ولم يَسقُطْ حقُّ يوسُفَ مع تقادُمِهِ ومُضِيٍّ سنواتِ عليه.

وفي ذلك مِن حِكْمةِ يوسُفَ أنه لم يَنسُب العُدوانَ عليه وظُلْمَهُ إلى زوجةِ العزيزِ؛ إنَّما إلى النِّسْوة، فقال: ﴿مَا بَالُ النِّسْوَةِ﴾؛ لأنَّ ذِكْرَه لامرأةِ المَلِكِ يجعلُهُ تأخُذُهُ حميَّةٌ جاهليَّةٌ فيَنتصِرُ لأهل بيتِهِ بالباطلِ ولو ظلَمَ وبَغَى، فمرادُ يوسُفَ الوصولُ إلى الحقِّ ورفعُ الظُّلْم، وليس مرادُهُ التشفِّيَ، وهذا لا يقعُ إلَّا ممَّن أُوتِي حُكْمًا وعِلْمًا؛ كما قال تعالى عن يوسُفَ: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [يوسف: ٢٢].

والظالِمونَ يَنتصِرونَ لأنفُسِهم ولو كانتِ الحُجَجُ ضِدَّهم؛ كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ﴾ [يوسف: ٣٥]، فهم رأَوْا حُجَجَ براءةِ يوسُفَ ومع ذلك سجَنُوهُ.

* * *

قال تعالى: ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥].

طلَبَ يوسُفُ الوِلَايةَ والوِزَارةَ بعدَما رأى فسادَ البلادِ وإقبالَها على شرٍّ أعظَمَ ممَّا هي عليه، وفي هذا جوازُ طلبِ الوِلَايةِ والإِمَارةِ إنْ كانتِ الحالُ كتلكَ الحالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>