وأمَّا القرائنُ الظنيَّةُ: فهي ما كان مِن القرائنِ التي لا تكفي وحدَها للحُكمِ على أحدٍ بحقٍّ، ولا يجسُرُ الحاكمُ معها على تكذيب صاحِبِها ولا تصديقِه، ما لم يأتِ بقرينةِ مِثلِها أو أَقْوى منها، كعدمِ تمزيقِ قميصِ يوسُفَ: قرينةٌ على براءةِ الذئب منه، وكشَقِّ قميصِ يوسُفَ مِن ورائِه: قرينةٌ على أنَّها تُراوِدُهُ لا يُراوِدُها، وقد تجتمِعُ مع ظنيَّاتٍ أُخَرَ، كما تقدَّمَ؛ فتكونُ قرينةً قاطعةً.
وأمَّا القرائنُ المتوهَّمةُ: فهي القرائنُ التي لا اعتبارَ بها، ولو انضَمَّ إليها مِثْلُها، ما لم تَستفِضْ؛ وذلك كوجودِ طعامٍ في بيتِ أحدٍ اتُّهِمَ بسرقتِه، وهذا الطعامُ يُوجَدُ في بيوتِ أكثَرِ الناسِ مِثلُهُ كالتمرِ والعنب، ما لم يكن في بَبْدَرٍ أو وَسْقٍ أو حاويةٍ على وَصفٍ ولونٍ يَختَصُّ بالمسروقِ؛ فتلك قرينةٌ أُخرى تَرفَعُ التوهُّمَ إلى الظنِّ.
ومِن القرائنِ: ما لا يُمكِنُ وصفُهُ ولا تمييزُه؛ وذلك ممَّا يبدو على وجوهِ المُتخاصِمِينَ؛ مِن جسارةٍ بالمُطالَبة، أو ارتباكٍ، أو حِرْصٍ، أو تناقُضِ وتردُّدٍ، فهذا مما لا يَقدِرُ القاضي على التعبيرِ عنه بالكتابة، ولكنَّها قرائنُ تقوِّي غيرَها.
وقد تجتمِعُ قرائنُ مِن ذلك، ظنيَّات مع متوهَّماتٍ، تقوِّي القضاءَ بالقرينة، كما في قولِ سُلَيْمانَ نبيِّ اللهِ ﷺ للمرأتَينِ اللتَيْنِ ادَّعَتَا الولدَ، فحكَمَ به داودُ ﷺ للكُبْرى، فقال سُلَيْمان:"ائتُونِي بِالسِّكِّينِ أَشُقُّهُ بَيْنَهُمَا"، فسمَحَتِ الكُبْرى بذلك، فقالتِ الصُّغرى:"لَا تَفْعَل يَرْحَمُكَ اللهُ، هُوَ ابْنُهَا! "، فَقَضَى بِهِ لِلصُّغرَى (١).