القصيصِ مِن الإمامِ قرينةً على إقبالِهِ عليها، وجُعِلَ وجودُ شقِّ في القميصِ قرينةً على وجودِ ممتنِعٍ مِن الفاحشةِ مِن الطرَفَيْنِ.
والقرائنُ مُعتبَرةٌ في الشريعة، ومتى قَوِيَت ولم يُوجَدْ قرينةٌ أَقوى منها تُخالِفُها وكانت قويَّة، قامت مقامَ الدليل، وإذا وُجِدَ ما هو مِثلُها أوأَقْوى منها أو ما يُقارِبُها ممَّا يُذهِبُ قُوَّتَها، تُرِكَتْ، كما تقدَّمَ في قرينةِ وضعِ الدمِ على قميصِ يوسُفَ، ورَدِّ يعقوبَ لها بقرائنَ أَقْوى منها.
والقرائنُ ليستْ على مَرْتَبةٍ واحدةٍ في الشريعةِ ولا في العقلِ؛ فإمَّا أن تكونَ قاطعةً، أو ظنيَّةً، أو متوهَّمةً، وكلُّ واحدةٍ مِن هذه القرائنِ تختلِفُ منزلتُها مِن حاكمِ إلى آخَرَ، ومِن حالٍ إلى أُخرى؛ بحسَبِ ما يقعُ في النفوسِ:
فأمَّا القرائنُ القاطعةُ: فهي ما كان الحُجَجُ فيه غيرَ بيَّناتِ: ممَّا يَقطعُ معها الحاكمُ لزومَ الحقِّ لجهةٍ، كانْ يُوجَدَ سجينٌ مقتولٌ بآلةٍ أو بخَنْقٍ بيِّنٍ، ولا يُوجَدُ معه إلَّا واحدٌ، ولا يدخُلُ عليهما أحدٌ، وانتفَتْ قرائنُ الانتحار، وقد تجتمِعُ عِدَّةُ قرائنَ ظنيَّةٍ وتكاثَرُ ولا يُقابِلُها شيءٌ، فتكونُ مجتمِعةً قرينةً قطعيَّةً، وإن كانت كلُّ واحدةٍ منها ظنيَّةً.
والقرائنُ القاطعةُ مُعتبَرةٌ عندَ أكثرِ الفقهاء، وقد قَضَى النبيُّ ﷺ لأحدِ ابنَيْ عَفرَاءَ لمَّا تداعَيَا قتلَ أبي جهلٍ، فقال لهما رسولُ اللهِ ﷺ:(هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ )، قَالَا: لَا، فَنَظرَ في السَّيْفَيْن، فَقَالَ:(كِلَاكُمَا قَتَلَهُ)، وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بنِ عَمرِو بْنِ الْجَمُوحِ (١). فأخَذَ بأثرِ السيفِ وما عليه مِن دمٍ.
ومِن ذلك: أنَّ النبيَّ ﷺ أمَرَ المُلْتَقِطَ أن يدفَعَ اللُّقَطَةَ إلى واصِفِها، وأمَرَهُ أن يَعرِفَ عِفاصَها ووِعاءَها ووِكَاءَها؛ فجعَل وَصْفَهُ لها قرينةً تُملِّكُهُ الحقَّ.