للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِن بابِ أَوْلى؛ وذلك لِما جُبِلَت عليه النفوسُ مِن كراهةِ فَقدِ الأهلِ والولدِ والمال، وحُبِّ الحياةِ.

وقولُه تعالى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾، فيه أنه ليس لاْحدٍ أن يترُكَ الجهادَ لأجلِ شيءٍ أجْراهُ الله على نبيِّه، وهو حبُّ البيوتِ وما فيها مِن مالِ وولدٍ وزوجةٍ.

وقد يكونُ مِن بعضِ المؤمنينَ جدالٌ في الحقِّ؛ وذلك لدوافعَ كامِنةٍ مِن حُبِّ الدُّنيا؛ كما في قولِه تعالى بعدَ ذلك: ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ﴾.

والحقُّ هو القتالُ، فسمَّى اللهُ القتالَ حقًّا؛ لأنَّ به يُحِقُّ اللهُ الحقَّ ويُبطِلُ الباطلَ؛ فكما يُحِقُّه باللِّسان، يُحِقُّةُ بالسِّنانِ كذلك.

* * *

قال تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةُ مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ﴾ [الأنفال: ١١].

في هذه الآيةِ: دليلٌ على أنَّ الأصلَ في الأعيانِ الطهارةُ، فاللهُ بيَّنَ طَهُورِيَّةَ ماءِ السماءِ وبيَّنَ أنه يُطهِّرُ الناسَ به، ومعلومٌ أنَّ ماءَ المطرِ يَنتفعُ منه الناسُ بعدَ نزولهِ في الأرضِ والآبارِ والأواني والغدرَانِ والأنهار، فهو يُصيبُ الأعيانَ غالبًا قبلَ انتفاع الناسِ به، فلمَّا بينَ اللهُ أنه يُطهِّرُهم به مع مرورهِ على أعيانٍ مختلِفةٍ، دَلَّ على أنَّ الأصلَ فيما يَمُرُّ عليه الماءُ أنه طاهرٌ، مِن شجر، وحجرٍ ووَبرٍ، وترابٍ ومَعْدِنٍ، وغيرِ ذلك.

وقد حَكَى الإجماعَ على أنَّ الأصلَ في الأعيانِ الطهارةُ غيرُ واحدٍ.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>